لا في مرتبة المنادَّة لتلك (١) المخلوقات، لما أعطاها من فضله الوجودَ العيني، كما قال:{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق/ ٢]، علَّم أيضًا من فضله العلمَ بها والتعبيرَ عنها، كما علَّم العلمَ به والتعبيرَ عنه بأسمائه. فكما أن وجودنا وحقائقنا من فضله، كذلك عِلْمنا بأنفسِنا وتعبيرُنا عن علومنا تابعٌ للعلم به والتعبير عن علمنا به، وأسماؤنا من أسمائه، كما روى الربيع بن أنس عن المسيح عليه السلام قال: يتكلمون بأسمائه ويتقلبون في نَعمائه ويكفرون بآلائه.
فقد تبين أن الله تعالى ليس له مثل ولا كفؤ ولا سميٌّ بوجهٍ من الوجوه، وتبين أن من أثبتَ لله ما يُماثِله في بعض الأمور، مثل من يقول من المجسِّمة: هو فضة أو كالفضة أو لحم أو دم، ومثل من طلب من المعطِّلة أن يكون له جنسٌ من المخلوقات، فهؤلاء مُبطِلون كلُّهم، وليس في ظاهر آياتِ الله ما يُوافِقُ قولَ أحدٍ من هؤلاء. ومن ادَّعى أن في الكتاب والسنة ما يدلُّ ظاهرُه على التجسيم والتشبيه فقد افترى على كتاب الله، وإن وصفَ الله بذلك فقد افترى على الله. فالمشبِّه المثبت لذلك مفترٍ على الله أو على كتابه، والمعطِّل المتأول لكتاب الله ظانًّا أن ظاهره كذلك مفترٍ على كتاب الله. بل يجب أن يبيَّن أن هذا ليس هو ظاهره، بل فيه نصوصٌ كثيرة دلَّت بالمعقول أيضًا كما دلَّت بالسمع على تنزيه الله عن مماثله المخلوقات بوجه من الوجوه.
فإن قيل: قد تقدم تضعيفكم لاستدلالِ طائفة بمثل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى/ ١١] على ما يدَّعونه من نفي. فهذا الجواب بعد الاستفسار هو بمنعِ المقدمة الأولى إذا فُسِّر الجسم بما ذكرناه من