للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطلانُ ما أفادَ فيه غلبة الظن، فإن اليقيَن له أسبابٌ، وللظن الغالب أسبابٌ، والتكذيبُ بما لم يُعلَم أنه كذبٌ مثل التصديق بما لا يُعلم أنه صدق، والنفيُ بلا علم بالنفي مثلُ الإثباتِ بلا علمٍ بالإثبات، وكلٌّ من هذين قولٌ بلا علمٍ. ومن نَفَى مضمونَ خبرٍ لم يُعلَم أنه كذبٌ فهو مثلُ من أثبتَ مضمونَ خبرٍ لم يُعلم أنه صدقٌ، والواجب على الإنسان فيما لم يقم فيه دليلُ أحدِ الطرفين أن يُسَرِّحَه إلى بقعة الإمكان الذهني، إلى أن يحصل فيه مرجِّحٌ أو مُوجِب، وإلّا يكون قد سكتَ عما لم يعلم، فهو نصف العلم. فرحمَ الله امرأً تكلَّم فغَنِمَ أو سكتَ فسَلِمَ (١)، ومن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمُتْ (٢)، وإذا أخطأ العالم لا أدري أُصِيبتْ مقاتلُه (٣).

وإذا كان كذلك فنحن لم يجب علينا قطُّ أن نعلم جميع ما لله من معاني أسمائه، ولا أن نعلم جميع صفاتِه، ولا أن نعلم صفاتِ مخلوقاتِه، ولا مقاديرَ وعدِه ووعيدِه وصفات ذلك، ولا إحدى سُنَنِه، فإن سبب العلم بذلك [قد لا] يكون مشهورًا، ولا قام دليلٌ على نفي ما نعلمه من ذلك، فإذا جاءنا خبرٌ يغلِبُ على الظنّ صدقُه صدَّقناه في غالب الظن، وإن غلبَ على الظنّ كذِبُه كذَّبناه، وإن لم يُعلم واحدٌ منهما توقَّفنا فيه.

ويجوز لنا أن نرويه إذا لم نعلم أنه كذبٌ، لكن متى علمنا أنه كذِبٌ


(١) كما في الحديث الذي أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٤٩٣٨) عن أنس بن مالك.
(٢) أخرجه البخاري (٦١٣٦، ٦١٣٨) ومسلم (٤٧) عن أبي هريرة.
(٣) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/ ٥٤ من قول ابن عباس وابن عجلان.

<<  <  ج: ص:  >  >>