للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن الرسول لم يُرِد بكلامه ما يَعلَمُ مثلُنا وأمثالُنا انتفاءَه، وعقولُنا أقلُّ من أن يقال: هي دون عقلِه.

بل لو حكى أحدٌ مسألةً في الطب أو النحو مما يُعلَم أن أبقراط وسيبويه لا يقولانها لبادرنا إلى التكذيب، مثل أن يحكي حاكٍ عن أبقراط أنه قال: طبائع الأجسام الأرضية خمسة، والبلغم أحسن من المِرَّة الصفراء، أو الدم أيبَسُ منها، أو هي أبردُ من المرة السوداء، فإنا نعلم أن أبقراط ونحوه لا يقولون هذا، فإما أن الناقلَ قد كذبَ عمدًا أو خطأً، أو يكون للعبارة معنًى غير الظاهر الباطل الذي لا يقوله ذلك الفاضل.

وكذلك لو نقل عن سيبويه أن الفاعل منصوبٌ، والمصدر مجرور، وخبر كان مرفوع، وخبر المبتدأ مجرور، ونحو هذا، لعلمنا أن هذا كذِبٌ على سيبويه عمدًا أو خطأً، أو يكون للعبارة معنًى يليق به أن يقوله. وكذلك لو نقلَ عن الأئمة أمورًا تنافي ما علمناه من أحوالهم علمنا أنه مكذوبٌ أو مصروفٌ.

فمن نقلَ عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال عن ربه: "إنه خلَق نفسَه من عَرقِ الخيل" (١)، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجودًا بعينه نبيًّا قبلَ أن يُنبِّئَه الله، أو أن يُعطى من دعا بهذا الدعاء مِثلَ ثواب الأنبياء ونحو ذلك = علمنا أنه يكذِبُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. والكذبُ عليه كثير، قد صنَّف العلماء في بيان الأحاديث الموضوعة مصنَّفاتٍ، وميَّزوا الصدقَ من الكذب تمييزًا معلومًا عن أهلِه.


(١) وضعه محمد بن شجاع الثلجي بإسناده إلى أبي هريرة مرفوعًا، كما ذكره ابن عدي في الكامل ٦/ ٢٩١ والبيهقي في الأسماء والصفات ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>