وظلمًا، كما قال عبد الله بن المبارك: وجدتُ الدينَ لأهل الحديث والكلام للمعتزلة والكذبَ للرافضة والحِيَلَ لأهل الرأي، وذكر كلمة أخرى (١).
ثم لو ساوَينا بين أهل الحديث وبين أقلِّ الطوائف فمن المعلوم أن المناظرة إذا انتهتْ إلى العلم بالضرورة لم يكن لأحد الخصمين ردُّ ذلك على خَصْمِه، فإنه أعلمُ بنفسِه، إلّا أن يعلم كذبُ الخبر الذي يستدل به على انتفاء العلم به، مثل عِلْمِنا بكذب الرافضة في دعوى النصّ وكذبِ النصارى في دعوى صلب المسيح.
فإن كان المناظر لنا يقول: إنى أعلم كَذِبَ من قال إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أثبتَ هذه المعاني، أو إني أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبتَ ذلك، سواء ادَّعى ذلك ضرورةً أو نظرًا، ونحن نقول: إنا عالمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبتَ ذلك = كان بيننا وبينه ما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل نجران من المباهلة. قال الله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران/ ٦١]، فإنا قد جاءنا من جهة نبينا صلى الله عليه وسلم ما نقول لمن حاجَّنا فيه من بعد ما جاءنا من العلم: تَعالَوا، فإن المحاجَّة التي هي المناظرة إذا انتهت إلى دعوى كل واحدٍ من المناظرين علمًا ما هو عليه، بدليل اختصَّ به أوعجزَ عنه أو ترك الاستدلال وأعرضَ عنه أو عجز عنه، أو علمًا ضروريًّا = لم يَفصِلْ بينهما إلا المباهلةُ أو انقيادُ من لم يُباهِلْ لمن بَاهَلَ، كما انقادَ النجرانيون إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فإن
(١) أخرجه الهروي في ذم الكلام ٥/ ٢١٠ - ٢١٢. وذكره المؤلف في منهاج السنة ٧/ ٤١٣.