للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجده في غاشيةِ أهلِه قال: "قد قَضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بُكَى النبي صلى الله عليه وسلم بَكَوْه، فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يُعذِّب بدَمْع العين ولا بحُزْنِ القلب، ولكن يُعذِّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يَرحَمُ، وإن الميتَ يُعذَّبُ ببكاءِ أهلِه عليه". وكان عمر يَضرِبُ فيه بالعصا ويَرمي بالحجارة ويَحثِيْ أو يَرمي بالتراب.

وقد أخبره به أيضًا المغيرةُ سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين (١) عن المغيرة قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ كذبًا عليَّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، مَن كذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، وسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن نِيْحَ عليه يُعذَّب بما نِيْحَ عليه".

فهذا الحديث قَبِلَه أكابر الصحابة مثل عمر، وهو يُحدِّث به حين طُعِنَ، وقد دخل عليه المهاجرون والأنصار، وينهى صُهيبًا عن النياحة، ولا يُنكِرُ ذلك أحدٌ، وكذلك في حال إمرتِه يُعاقِبُ الحيَّ الذي يعذّب الميت بفعله. وتلقَّاه أكابرُ التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره، ولم يردُّوا لفظَه ولا معناه.

وأما الذين ردُّوه تغليطًا للراوي فهم الذين غَلِطُوا، يغفر الله لهم.

كيف وقد سمعه مع الفاروق المغيرةُ وغيره؟ كيف والسابقون الأولون لم يُنكِروه؟ ثم لو رواه بعض أكابر الصحابة لم يكن مردودًا لما ذكر، فإن أحد الحديثين اللذين روتْهما عائشةُ يُوافق معناه، وهو قوله: "إن الله ليزيد الكافرَ عذابًا ببكاءِ أهلِه عليه". وأم المؤمنين هي الثقة المأمونة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، الصديقةُ بنت الصديق، وهي من أعلم الصحابة


(١) البخاري (١٢٩١) ومسلم (٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>