قَالَ ابْن اليسع وَمَا خرجت أَنا من مراكش فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة إِلَّا وَهَذَا الْبُسْتَان الَّذِي غرسه عبد الْمُؤمن يبلغ مَبِيع زيتونه وفواكهه ثَلَاثِينَ ألف دِينَار مؤمنية على رخص الْفَاكِهَة بمراكش اه وَلَعَلَّ الْمَنْصُور جدد معالم المسرة بعد اندراسها وأفاض سِجَال الْحَيَاة على ميت غراسها وَكَانَ الْمَنْصُور يفتخر بالبديع كثيرا وينوه بِقَدرِهِ وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو فَارس الفشتالي
(هَذَا البديع يعز شبه بَدَائِع ... أبدعتهن بِهِ فجَاء غَرِيبا)
(أضنى الغزالة حسنه حسدا لَهُ ... أبدى عَلَيْهَا للأصيل شحوبا)
(وَانْقَضَت الزهر المنيرة إِذْ رَأَتْ ... زهر الرياض بِهِ ينور عجيبا)
(شيدتهن مصانعا وصنائعا ... أنجزن وَعدك للعلا المرقوبا)
(وجريت فِي كل الفخار لغاية ... أدركتهن وَمَا مسست لغوبا)
(فانعم بملكك دَامَ فِيهِ مُؤَبَّدًا ... تجني بِهِ فنن النَّعيم رطيبا)
وَلما أكمل الْمَنْصُور البديع وَفرغ من تنميق بردته وتطريز حلته صنع مهرجانا عَظِيما ودعا الْأَعْيَان والأكابر فَقدم لَهُم من ضروب الْأَطْعِمَة وصنوف الموائد وأفرغ عَلَيْهِم من العطايا ومنحهم من الجوائز مَا لم يعْهَد مِنْهُ قبل ذَلِك وَكَانَ مِمَّن دخل فِي غمار النَّاس رجل من البهاليل مِمَّن كَانَت لَهُ شهرة بالصلاح فِي الْوَقْت فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور مباسطا كَيفَ رَأَيْت دَارنَا هَذِه يَا فلَان فَقَالَ لَهُ إِذا هدمت كَانَت كدية كَبِيرَة من التُّرَاب فَوَجَمَ لَهَا الْمَنْصُور وَتَطير مِنْهَا وتحكى هَذِه الْحِكَايَة عَن غير الْمَنْصُور فَالله أعلم
قَالَ اليفرني وَقد ظهر مصداق ذَلِك على يَد السُّلْطَان المظفر الْمولى إِسْمَاعِيل بن الشريف فَإِنَّهُ أَمر بهدمه سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَألف لموجب يطول شَرحه فهدمت معالمه ومحيت مراسمه وَفرق مَا كَانَ بِهِ من جموع الْإِنْس وَعَاد حصيدا كَأَن لم يغن بالْأَمْس حَتَّى صَار مرعى للكلاب والمواشي ووكرا للصدى والبوم وَحقّ على الله أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وَمن الْعَجَائِب أَنه لم يبْق بلد من بِلَاد الْمغرب إِلَّا ودخله شَيْء من أنقاض البديع وَلَقَد تذكرت بِهَذَا مَا حَكَاهُ بعض مؤرخي الأندلس أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute