وَقدم الآجل على العاجل وَسلم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة على شُرُوط مَعْرُوفَة وَأصْلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين كَمَا قَالَ جده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَحَازَ مُعَاوِيَة الْخلَافَة وصفت لَهُ وتوارثها بنوا أُميَّة من بعده بعد مقاتلات ومنازعات كَانَت من بني هَاشم وَغَيرهم لَهُم يطول جلبها
وَكَانَ السوَاد الْأَعْظَم من الْمُسلمين يرَوْنَ أَن بني هَاشم أَحَق بِالْأَمر من بني أُميَّة لِأَن بني هَاشم هم آل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعشيرته الأقربون وهم أهل الْعلم وَالدّين والخصوصية الَّذين اجتباهم الله وأذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا فهم أَحَق بِمنْصب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَيرهم وَهَذَا الرَّأْي صَوَاب غير أَن ذَلِك لَيْسَ بطرِيق الْوُجُوب عِنْد أهل السّنة بل بطرِيق الأحقية والأولوية إِذا توفرت الشُّرُوط فيهم وَفِي غَيرهم من سَائِر بطُون قُرَيْش وَإِلَّا فَمن انْفَرَدت بِهِ الشُّرُوط وَجب الْمصير إِلَيْهِ
وَكَانَ شيعَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يوجبون الْخلَافَة لِبَنِيهِ دون من عداهم ويزعمون أَن ذَلِك كَانَ بِوَصِيَّة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ وَهَذِه الْوَصِيَّة لم تثبت عِنْد أهل السّنة من طَرِيق صَحِيح ومذاهب هَؤُلَاءِ الشِّيعَة فِي كَيْفيَّة سوق الْخلَافَة فِي عقب عَليّ رَضِي الله عَنهُ مُتعَدِّدَة لَا حَاجَة لنا بذكرها
وَكَانَ بَنو عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الصَّدْر الأول كثيرا مَا يثورون فِي النواحي شرقا وغربا طَالِبين حَقهم فِي الْخلَافَة منازعين فِيهَا لبني أُميَّة أَولا ثمَّ لبني الْعَبَّاس من بعدهمْ ثَانِيًا وخبرهم فِي ذَلِك مَعْرُوف وجلبه يطول إِلَى أَن كَانَ مِنْهُم عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ من سادة أهل الْبَيْت يَوْمئِذٍ وَكَانَ لَهُ عدَّة أَوْلَاد مِنْهُم مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالنَّفسِ الزكية وَإِبْرَاهِيم ويحي وَسليمَان وَإِدْرِيس وَغَيرهم
وَلما صَار أَمر بني أُميَّة إِلَى الاختلال أَيَّام مَرْوَان الْحمار آخر خلفائهم اجْتمع أهل الْبَيْت بِالْمَدِينَةِ وَتَشَاوَرُوا فِيمَن يقدمونه للخلافة فَوَقع اختيارهم