مكرهين فَتسَارع النَّاس إِلَى مُحَمَّد وَأَجَابُوا دَعوته وَلزِمَ الإِمَام ملك بَيته وخطب مُحَمَّد بن عبد الله على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الْمَنْصُور بِمَا نقمه عَلَيْهِ ووعد النَّاس واستنصر بهم وَتسَمى بالمهدي وَلم يتَخَلَّف عَن بيعَته من وُجُوه النَّاس إِلَّا الْقَلِيل
وَبلغ الْمَنْصُور خبر مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا كَانَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ فأشفق من ذَلِك غَايَة الإشفاق وَكتب إِلَى مُحَمَّد كتاب أَمَان ويعده الْجَمِيل إِن هُوَ رَاجع الطَّاعَة فَأَجَابَهُ مُحَمَّد بِعَدَمِ قبُول ذَلِك مِنْهُ ودارت بَينهمَا مكاتبات ومحاورات فِي الْأَفْضَلِيَّة وَاسْتِحْقَاق الْخلَافَة وَقد ذكر مكاتبتهما الْمبرد فِي كَامِله وَابْن خلدون فِي تَارِيخه
وَآخر الْأَمر أَن الْمَنْصُور بعث لِحَرْب مُحَمَّد الْمهْدي ابْن عَمه عِيسَى بن مُوسَى العباسي فاستعد الْمهْدي لِلْقِتَالِ وأدار على الْمَدِينَة الخَنْدَق الَّذِي حفره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب وقدمت جيوش العباسيين ونزلوا على الْمَدِينَة
وَخرج إِلَيْهِم مُحَمَّد بن عبد الله فِيمَن بَايعه واقتتل النَّاس قتالا شَدِيدا وأبلى مُحَمَّد الْمهْدي فِي ذَلِك الْيَوْم بلَاء عَظِيما وَقتل بِيَدِهِ سبعين رجلا
وَلما اشْتَدَّ الْقِتَال وعاين مخايل الاختلال انْصَرف فاغتسل وتحنط وَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَمضى فَأحرق الدِّيوَان الَّذِي كَانَ فِيهِ أَسمَاء من بَايعه وَجَاء إِلَى السجْن فَقتل رَبَاح بن عُثْمَان عَامل الْمَنْصُور على الْمَدِينَة وَقتل مَعَه جمَاعَة كَانُوا مسجونين عِنْده ثمَّ عَاد إِلَى المعركة وَقد تفرق عَنهُ جلّ أَصْحَابه وَلم يبْق مَعَه إِلَّا نَحْو ثَلَاثمِائَة فَقَالَ لَهُ بَعضهم نَحن الْيَوْم فِي عدَّة أهل بدر ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل ضرب فَسقط لِرُكْبَتَيْهِ وطعنه حميد بن قَحْطَبَةَ فِي صَدره ثمَّ احْتَرز رَأسه وأتى بِهِ عِيسَى بن مُوسَى فَبعث بِهِ إِلَى الْمَنْصُور
وَكَانَ مقتل مُحَمَّد الْمهْدي رَحمَه الله فِي منتصف رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقتل مَعَه جمَاعَة من أهل بَيته وَأَصْحَابه وَلحق ابْنه عَليّ بن