للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرفع من قدره وولاه على تِلْكَ النَّاحِيَة فَاشْتَدَّ أمره وطار ذكره وسرت فِيهِ نخوة الرياسة فَأَرَادَ الاستبداد واستحال حَاله إِلَى الْفساد حَتَّى صَار يرد على السُّلْطَان أوامره ثمَّ تدنى قَلِيلا قَلِيلا من أَطْرَاف المملكة وَقَوي حسه بالمغرب فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان رَحمَه الله الْكَتَائِب وَبعث الْبعُوث فقاتلوه بُرْهَة ثمَّ قبض الله بعض قرَابَته فاغتاله واحتز رَأسه وَجَاء بِهِ متقربا إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ بمراكش فَأمر السُّلْطَان بإعمال المفرحات واستدعى أهل مراكش على طبقاتهم فَأَفَاضَ عَلَيْهِم النعم وغمرهم بِالْإِحْسَانِ غمر الديم

نادرة كَانَ مِمَّن استدعاه السُّلْطَان رَحمَه الله فِي هَذَا الصَّنِيع أهل الْمدَارِس من طلبة الْعلم المتغربين بهَا فجلسوا نَاحيَة من الْقَوْم وَلما خرج الطَّعَام من دَار السُّلْطَان وَفرق على طَبَقَات النَّاس اتّفق تَأْخِيره عَن هَؤُلَاءِ الطّلبَة وَاتفقَ أَيْضا أَن سَأَلَ بعض الْحَاشِيَة بعض الأعوان القائمين على الطَّعَام فَقَالَ لَهُ من الَّذِي بَقِي بِدُونِ إطْعَام فَقَالَ لم يبْق إِلَّا الطّلبَة والطحانون وَكَانَ كَذَلِك فَسَمعهُ أحد الطّلبَة فَقَالَ لأَصْحَابه أَلا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُول هَذَا فَقَالُوا وَمَا قَالَ قَالَ لَهُم قَالَ إِنَّه لم يبْق إِلَّا أَنْتُم والطحانون فقد شوركتم مَعَهم بالْعَطْف بِالْوَاو وَالله لَا جلستم وَقَامُوا مغضبين فَتَبِعهُمْ بعض حَاشِيَة السُّلْطَان واستعطفهم فَلم يرجِعوا واتصل الْخَبَر بالسلطان فَقَالَ دعهم فسنصلح شَأْنهمْ وَمن الْغَد دعاهم إِلَى بُسْتَان الْوَزير إِبْنِ إِدْرِيس دَاخل بَاب الرب من مراكش وأفاض عَلَيْهِم من النعم مَا غمرهم ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى رَضوا ثمَّ عَمدُوا إِلَى ثمار الْبُسْتَان فاستلبوها عَن آخرهَا وَهَذِه الْقِصَّة تدل على كرم طبع السُّلْطَان رَحمَه الله وسعة أخلاقه وتعظيمه للْعلم وَأَهله وَقد ذكرت بِهَذِهِ النادرة قَول الْقَائِل

(إِذا شوركت فِي أَمر بِدُونِ ... فَلَا يَك مِنْك فِي هَذَا نفور)

(فَفِي الْحَيَوَان يجْتَمع اضطرارا ... أرسطاليس وَالْكَلب الْعَقُور)

وَتَحْقِيق مَسْأَلَة هَذَا الْعَطف مَذْكُور فِي بَاب الْفَصْل والوصل من علم الْمعَانِي وبستان ابْن إِدْرِيس هَذَا هُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ أَبُو عبد الله أكنسوس رَحمَه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>