لقُرْبه من المَاء وَلأَجل الْحمة الَّتِي هُنَاكَ والحمة كَمَا فِي الْقَامُوس كل عين فِيهَا مَا حَار يَنْبع مِنْهَا ويستشفى بِهِ فعزم إِدْرِيس على أَن يَبْنِي هُنَاكَ مَدِينَة وَشرع فِي حفر الأساس وَعمل الجيار وَقطع الْخشب وابتدأ بِالْبِنَاءِ ثمَّ فكر فِي نهر سبو وَمَا يَأْتِي بِهِ من الْمَمْدُود والسيول زمَان الشتَاء وَمَا يحصل بذلك من الضَّرَر الْعَظِيم للنَّاس فَكف عَن الْبناء وَرجع إِلَى وليلى
ثمَّ بعث وزيره عُمَيْر بن مُصعب الْأَزْدِيّ يرتاد لَهُ موضعا يَبْنِي فِيهِ الْمَدِينَة الَّتِي عزم عَلَيْهَا فَسَار عُمَيْر فِي جمَاعَة يقص الْجِهَات وَيتَخَيَّر الْبِقَاع والترب والمياه حَتَّى انْتهى إِلَى فحص سايس فأعجبه الْمحل فَنزل هُنَاكَ على عين مَاء تطرد فِي مرج أَخْضَر فَتَوَضَّأ وَصلى الظّهْر هُوَ وَجَمَاعَة الْقَوْم الَّذين مَعَه ثمَّ دَعَا الله تَعَالَى أَن ييسر عَلَيْهِ مطلبه ثمَّ ركب وَحده وَأمر الْجَمَاعَة أَن ينتظروه حَتَّى يعود إِلَيْهِم فنسبت الْعين إِلَيْهِ من يَوْمئِذٍ ودعيت عين عُمَيْر إِلَى الْآن وَعُمَيْر هَذَا هُوَ جد بني الملجوم من بيوتات فاس وكبرائهم فأوغل عُمَيْر فِي فحص سايس حَتَّى انْتهى إِلَى الْعُيُون الَّتِي يَنْبع مِنْهَا وَادي فاس فَرَأى بهَا من عناصر المَاء مَا ينيف على السِّتين عنصرا وَرَأى مياهها تطرد فِي فسيح من الأَرْض وحول الْعُيُون شعراء من شجر الطرفاء والطخش والعرعار والكلخ وَغير ذَلِك فَشرب من المَاء فاستطابه وَنظر إِلَى مَا حوله من الْمزَارِع الَّتِي لَيست على نهر سبو فَأَعْجَبتهُ فانحدر مَعَ مسيل الْوَادي حَتَّى انْتهى إِلَى مَوضِع مَدِينَة فاس الْيَوْم فَنظر فَإِذا مَا بَين الجبلين غيضة ملتفة الْأَشْجَار مطردَة الْعُيُون والأنهار وَفِي جَانب مِنْهَا خيام من شعر يسكنهَا قوم من زواغة يعْرفُونَ ببني الْخَيْر وَقوم من زناتة يعْرفُونَ ببني يرغش وَكَانَ بَنو يرغش على دين الْمَجُوسِيَّة وَكَانَ بَيت نارهم بالموضع الْمَعْرُوف بشيبوبة وَكَانَ الْبَعْض مِنْهُم على دين الْيَهُودِيَّة وَالْبَعْض على دين النَّصْرَانِيَّة
وَكَانَ بَنو الْخَيْر ينزلون بعدوة الْقرَوِيين وَبَنُو يرغش ينزلون بعدوة الأندلس وَكَانُوا قَلما يفترون عَن الْقِتَال لاخْتِلَاف أهوائهم وتباين أديانهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute