للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِهِ فِي أسواقها ثمَّ مضى السُّلْطَان أعزه الله لوجهه حَتَّى بلغ قَصَبَة سلوان على طرف الإيالة المغربية من جِهَة الشرق فوفدت عَلَيْهِ قبائل تِلْكَ النواحي وأهدوا ومانوا وأظهروا غَايَة الْفَرح وَالسُّرُور

حكى من حضر أَنهم كَانُوا يزدحمون عَلَيْهِ لتقبيل يَده وركابه وَوضع ثِيَابه على أَعينهم تبركا بِهِ وَفِي أَوَائِل رَمَضَان من هَذِه السّنة فِي لَيْلَة الْخَامِس أَو السَّادِس وَقع تناثر فِي الْكَوَاكِب وتداخل واضطراب عَظِيم على هَيْئَة مفزعة بَعْضهَا مشرق وَبَعضهَا مغرب وَبَعضهَا إِلَى هَيْئَة أُخْرَى فَكَانَ الْحَال كَمَا وصف الْأَعْمَى بقوله

(كَأَن مثار النَّقْع فَوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه)

دَامَ ذَلِك إِلَى قرب السحر وَأقَام السُّلْطَان أعزه الله بِهَذِهِ الْبِلَاد حَتَّى عيد بهَا بعيد الْفطر وَكَانَ المشهد هُنَالك عَظِيما والموسم مخيما وَحضر بَنو يزناسن وَمَعَهُمْ كَبِيرهمْ الْحَاج مُحَمَّد بن البشير بن مَسْعُود فأهدى هَدِيَّة كَبِيرَة وولاه السُّلْطَان على تِلْكَ الْقَبَائِل من بني يزناسن وَغَيرهَا وقفل أعزه الله رَاجعا فأدركه فصل الشتَاء بِتِلْكَ الْجبَال والفيافي فَاشْتَدَّ الْبرد وَقلت الأقوات وَهلك بِسَبَب ذَلِك عدد كثير من الْجند وَلحق النَّاس مشقة فادحة وَأظْهر السُّلْطَان نَصره الله يَوْمئِذٍ من الشَّفَقَة والبرور مَا تناقله النَّاس وتحدثوا بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يسير بسير الضَّعِيف وَيقف على المرضى حَتَّى يصلح من شَأْنهمْ وَيَأْمُر بدفن من يدْفن وَحمل من يحمل وَإِذا سقط لأحد دَابَّته أَو رَحْله وقف عَلَيْهِ بِنَفسِهِ حَتَّى يعان عَلَيْهِ وَهَكَذَا إِلَى أَن دخل حَضْرَة فاس بِحَيْثُ أدْرك بِهِ عيد الْأَضْحَى من السّنة فعيد بهَا وتفرغ للنَّظَر فِي أَمر الْعَسْكَر يقوم عَلَيْهِ بِنَفسِهِ ويعرضه على عينه ويتصفح قَوَائِم مؤنه ورواتبه فَاطلع أيده الله على مَا كَانَ يدلسه القائمون على ذَلِك من الزِّيَادَة الْبَاطِلَة فعزل من عزل وأدب من يسْتَحق التَّأْدِيب ثمَّ قبض على كَبِير الْعَسْكَر السُّوسِي وَهُوَ الْحَاج منو الحاحي وَكَانَت فِيهِ شجاعة وإقدام إِلَّا أَنه كَانَ مفرطا فِي التهور والإدلال على الدولة وكبرائها فَأدى ذَلِك إِلَى الانتقام مِنْهُ بِالضَّرْبِ والسجن وَالِاحْتِيَاط على مَاله وضياعه

<<  <  ج: ص:  >  >>