للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الَّتِي صَارَت مثلا رعي الْجمال خير من رعي الْخَنَازِير وَمَعْنَاهُ أَن كَونه مَأْكُولا ليوسف بن تاشفين أَسِيرًا يرْعَى جماله فِي الصَّحرَاء خير من كَونه ممزقا للأذفونش أَسِيرًا لَهُ يرْعَى خنازيره وَقَالَ لمن لامه يَا قوم إِنِّي من أَمْرِي على حالتين حَالَة يَقِين وَحَالَة شكّ وَلَا بُد لي من إِحْدَاهمَا أما حَالَة الشَّك فَإِنِّي استندت إِلَى ابْن تاشفين أَو إِلَى الأذفونش فَفِي الْمُمكن أَن يَفِي لي وَيبقى على وفائه وَيُمكن أَن لَا يفعل فَهَذِهِ حَالَة شكّ وَأما حَالَة الْيَقِين فَإِنِّي إِن استندت إِلَى ابْن تاشفين فَإِنِّي أرضي الله وَإِن استندت إِلَى الأذفونش أسخطت الله فَإِذا كَانَت حَالَة الشَّك فيهمَا عارضة فلأي شَيْء أدع مَا يُرْضِي الله وَآتِي مَا يسخطه فَحِينَئِذٍ أقصر أَصْحَابه عَن لومه

وَلما عزم ابْن عباد على رَأْيه أَمر صَاحب بطليوس المتَوَكل على الله عمر بن الْأَفْطَس وَصَاحب غرناطة عبد الله بن حبوس الصنهاجي أَن يبْعَث إِلَيْهِ كل مِنْهُمَا قَاضِي حَضرته ففعلا واستحضر قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة عبد الله بن مُحَمَّد بن أدهم وَكَانَ أَعقل أهل زَمَانه فَلَمَّا اجْتمع عِنْد ابْن عباد الْقُضَاة بإشبيلية أضَاف إِلَيْهِم وزيره أَبَا بكر بن زيدون وعرفهم أربعتهم أَنهم رسله إِلَى يُوسُف بن تاشفين وَأسْندَ إِلَى الْقُضَاة مَا يَلِيق بهم من وعظ يُوسُف وترغيبه فِي الْجِهَاد وَأسْندَ إِلَى الْوَزير مَا لَا بُد مِنْهُ من إبرام الْعُقُود السُّلْطَانِيَّة

وَكَانَ يُوسُف بن تاشفين لَا تزَال تفد عَلَيْهِ وُفُود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين بِاللَّه وَالْإِسْلَام مستنجدين بفقهاء حَضرته ووزراء دولته فَيسمع إِلَيْهِم ويصغي لقَولهم وترق نَفسه لَهُم

وَلما انْتَهَت الرُّسُل إِلَى ابْن تاشفين أقبل عَلَيْهِم وَأكْرم مثواهم وَجَرت بَينه وَبينهمْ مراوضات ثمَّ انصرفوا إِلَى مرسلهم

ثمَّ عبر يُوسُف الْبَحْر عبورا سهلا حَتَّى أَتَى الجزيرة الخضراء فَخرج إِلَيْهِ أَهلهَا بِمَا عِنْدهم من الأقوات والضيافات وَأَقَامُوا لَهُ سوقا جلبوا إِلَيْهِ مَا عِنْدهم من سَائِر الْمرَافِق وأذنوا للغزاة فِي دُخُول الْبَلَد وَالتَّصَرُّف فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>