للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُوسُف وَحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا وَأظْهر كل مِنْهُمَا لصَاحبه الْمَوَدَّة والخلوص وشكرا نعم الله وتواصيا بِالصبرِ وَالرَّحْمَة وبشرا أَنفسهمَا بِمَا استقبلاه من غَزْو أهل الْكفْر وتضرعا إِلَى الله فِي أَن يَجْعَل ذَلِك خَالِصا لوجهه مقربا إِلَيْهِ وافترقا فَعَاد يُوسُف لمحلته وَابْن عباد إِلَى جِهَته وَألْحق ابْن عباد مَا كَانَ أعده من هَدَايَا وتحف وضيافات أوسع بهَا على محلّة يُوسُف بن تاشفين

وَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا أَصْبحُوا وصلوا الصُّبْح ركب الْجَمِيع وَأَشَارَ ابْن عباد على يُوسُف بالتقدم نَحْو إشبيلية فَفعل وَرَأى النَّاس من عزة سلطانهم مَا سرهم وَلم يبْق من مُلُوك الطوائف بالأندلس إِلَّا من بَادر أَو أعَان وَكَذَلِكَ فعل الصحراويون مَعَ يُوسُف أهل كل صقع من أصقاعه رابطوا وكابدوا

وَكَانَ الأذفونش لما رأى اجْتِمَاع العزائم على مناجزته علم أَنه عَام نطاح فاستنفر الفرنجة لِلْخُرُوجِ وَرفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ونشروا أَنَاجِيلهمْ فَاجْتمع لَهُ من الجلالقة والإفرنج مَا لَا يُحْصى عدده وجواسيس كل فريق تَتَرَدَّد من الْجَمِيع وَبعث الأذفونش إِلَى ابْن عباد إِن صَاحبكُم يُوسُف قد تعنى بالمجيء من بِلَاده وخوض الْبَحْر وَأَنا أكفيه العناء فِيمَا بَقِي وَلَا أكلفكم تعبا أمضي إِلَيْكُم وألقاكم فِي بِلَادكُمْ رفقا بكم وتوفيرا عَلَيْكُم وَقَالَ لخاصته وَأهل مشورته إِنِّي رَأَيْت أَنِّي إِن أمكنتهم من الدُّخُول إِلَى بلادي فناجزوني فِيهَا وَبَين جدرها وَرُبمَا كَانَت الدائرة عَليّ يستحكمون الْبِلَاد ويحصدون من فِيهَا غَدَاة وَاحِدَة وَلَكِنِّي أجعَل يومهم معي فِي حوز بِلَادهمْ فَإِن كَانَت عَليّ اكتفوا بِمَا نالوه وَلم يجْعَلُوا الدروب وَرَاءَهُمْ إِلَّا بعد أهبة أُخْرَى فَيكون فِي ذَلِك صون لبلادي وجبر لمكاسري وَإِن كَانَت الدائرة عَلَيْهِم كَانَ مني فيهم وَفِي بِلَادهمْ مَا خفت أَن يكون فِي وَفِي بلادي إِذا ناجزوني فِي وَسطهَا

ثمَّ برز بالمختار من جُنُوده وأنجاد جموعه على بَاب دربه وَترك بَقِيَّة جموعه خَلفه وَقَالَ حِين نظر إِلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْهُم بهؤلاء أقَاتل الْجِنّ وَالْإِنْس وملائكة السَّمَاء فالمقلل يَقُول المختارون أَرْبَعُونَ ألف دارع

<<  <  ج: ص:  >  >>