وَالسَّعْي بِهِ حَتَّى أوغروا صدر الْخَلِيفَة عَلَيْهِ فاستوزر عبد السَّلَام بن مُحَمَّد الكومي وانبرى لمطالبة ابْن عَطِيَّة وجد فِي التمَاس عوراته وتشنيع سقطاته وطرحت بِمَجْلِس السُّلْطَان أَبْيَات مِنْهَا
(قل للْإِمَام أَطَالَ الله مدَّته ... قولا تبين لذِي لب حقائقه)
(إِن الزراجين قوم قد وترتهم ... وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه)
(وللوزير إِلَى آرائهم ميل ... فَذَاك مَا كثرت فيهم علائقه)
(فبادر الحزم فِي إطفاء نارهم ... فَرُبمَا عَاق من أَمر عوائقه)
(هم الْعَدو وَمن والاهم كهم ... فاحذر عَدوك وَاحْذَرْ من يصادقه)
(الله يعلم أَنِّي نَاصح لكم ... وَالْحق أَبْلَج لَا تخفى طرائقه)
قَالُوا فَلَمَّا وقف عبد الْمُؤمن على هَذِه الأبيات البليغة فِي مَعْنَاهَا وغر صَدره على وزيره أبي جَعْفَر وأضمر لَهُ فِي نَفسه شرا فَكَانَ ذَلِك من أقوى أَسبَاب نكبته وَقيل أفْضى إِلَيْهِ بسر فأفشاه
وانْتهى ذَلِك كُله إِلَى أبي جَعْفَر وَهُوَ بالأندلس فقلق وَعجل الِانْصِرَاف إِلَى مراكش فحجب عِنْده قومه ثمَّ قيد إِلَى الْمَسْجِد فِي الْيَوْم بعده حاسر الْعِمَامَة واستحضر النَّاس على طبقاتهم وقرروا على مَا يعلمُونَ من أمره وَمَا صَار إِلَيْهِ مِنْهُم فَأجَاب كل بِمَا اقْتَضَاهُ هَوَاهُ وَأمر بسجنه ولف مَعَه أَخُوهُ أَبُو عقيل عَطِيَّة وَتوجه فِي أثر ذَلِك عبد الْمُؤمن إِلَى زِيَارَة تربة الْمهْدي فاستصحبهما بِحَال ثقاف
وَصدر عَن أبي جَعْفَر فِي هَذِه الْحَرَكَة من لطائف الْآدَاب نظما ونثرا فِي سَبِيل التوسل بتربة إمَامهمْ الْمهْدي عجائب فَلم تَجِد شَيْئا مَعَ نُفُوذ الله تَعَالَى فِيهِ
وَلما انْصَرف من وجهته أعادهما مَعَه قَافِلًا إِلَى مراكش فَلَمَّا حَاذَى تاكمارت أنفذ الْأَمر بِقَتْلِهِمَا بالشعراء الْمُتَّصِلَة بالحصن على مقربة من الملاحة هُنَالك فمضيا لسبيلهما وَذَلِكَ فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة
وَمِمَّا خَاطب بِهِ الْوَزير الْمَذْكُور عبد الْمُؤمن مستعطفا لَهُ من رِسَالَة تغالى فِيهَا فغالته الْمنية وَلم ينل الأمنية وَهَذِه سنة الله تَعَالَى فِيمَن لَا يحترم