وَلما فرغ الْمَنْصُور من وقْعَة الأرك واحتل بِمَدِينَة إشبيلية أَخذ فِي إتْمَام بِنَاء جَامعهَا الْأَعْظَم وتشييد مناره المشاكل للمنارين الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ ثَالِثَة الأثافي بِالنِّسْبَةِ لَهما بل قيل إِنَّه لَيْسَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام منار أعظم مِنْهُ وَعمل لهَذَا الْمنَار تفافيح من أَمْلَح مَا يكون قَالَ فِي القرطاس بلغت من الْعظم إِلَى مَا لَا يعرف قدره إِلَّا أَن الْوُسْطَى مِنْهَا لم تدخل على بَاب الْمنَار حَتَّى قلعت الرخامة من أَسْفَله وزنة العمود الَّذِي ركبت عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ ربعا من الْحَدِيد وَكَانَ الَّذِي صنعها ورفعها فِي أَعلَى الْمنَار الْمَذْكُور الْمعلم أَبُو اللَّيْث الصّقليّ وموهت تِلْكَ التفافيح بِمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا
وَلما كمل جَامع إشبيلية وَصلى فِيهِ أَمر بِبِنَاء حصن البرج على وَادي إشبيلية وَقد تقدم لنا فِي أَخْبَار عبد الْمُؤمن أَنه هدم أسوار مَدِينَة فاس وَأَن حافده الْمَنْصُور هَذَا شرع فِي بنائها ثمَّ أتمهَا ابْنه النَّاصِر من بعده
وَلما رَجَعَ الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وجد كل مَا أَمر بِهِ من البناءات قد تمّ على أكمل حَال واحسنه مثل القصبة والقصور وَالْجَامِع والصوامع وَأنْفق على ذَلِك كُله من أَخْمَاس الْغَنَائِم وَكَانَ قد تغير على الوكلاء والصناع الَّذين توَلّوا بِنَاء ذَلِك لِأَنَّهُ سعى إِلَيْهِ بِأَنَّهُم احتجنوا الْأَمْوَال وصنعوا للجامع سَبْعَة أَبْوَاب على عدد أَبْوَاب جَهَنَّم فَلَمَّا دخله الْمَنْصُور وَتَطوف بِهِ أعجبه فَسَأَلَ عَن عدد أبوابه فَقيل إِنَّهَا سَبْعَة أَبْوَاب وَالثَّامِن هُوَ الَّذِي دخل مِنْهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الْمَنْصُور عِنْد ذَلِك لَا بَأْس بالغالي إِذا قيل حسن