للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَاتخذ الْمَنْصُور رَحمَه الله فِي جَامعه هَذَا لمصلاه بِهِ مَقْصُورَة عَجِيبَة كَانَت مُدبرَة بحيل هندسية بِحَيْثُ تنصب إِذا اسْتَقر الْمَنْصُور ووزراؤه بمصلاه مِنْهَا وتختفي إِذا انفصلوا عَنْهَا

حكى الشريف الغرناطي شَارِح الحازمين عَن الْكَاتِب البارع أبي الْحسن عبد الْملك بن عَيَّاش أحد كتاب الْمَنْصُور قَالَ كَانَت لأبي بكر يحيى بن مجير الشَّاعِر الْمَشْهُور وفادة على الْمَنْصُور فِي كل سنة فصادف فِي إِحْدَى وفاداته فَرَاغه من إِحْدَاث الْمَقْصُورَة الَّتِي كَانَ أحدثها بجامعه الْمُتَّصِل بقصره فِي حَضْرَة مراكش وَكَانَت قد وضعت على حركات هندسية ترْتَفع بهَا لِخُرُوجِهِ وتنخفض لدُخُوله وَكَانَ جَمِيع من بِبَاب الْمَنْصُور يَوْمئِذٍ من الشُّعَرَاء والأدباء قد نظموا أشعارا أنشدوه إِيَّاهَا فِي ذَلِك فَلم يزِيدُوا على شكره وتجزيته الْخَيْر فِيمَا جدد من معالم الدّين وآثاره وَلم يكن فيهم من تصدى لوصف الْحَال حَتَّى قدم أَبُو بكر بن مجير فَأَنْشد قصيدته الَّتِي أَولهَا

(أعلمتني ألقِي عَصا التسيار ... فِي بَلْدَة لَيست بدار قَرَار)

وَاسْتمرّ فِيهَا حَتَّى ألم بِذكر الْمَقْصُورَة فَقَالَ يصفها

(طورا تكون بِمن حوته مُحِيطَة ... فَكَأَنَّهَا سور من الأسوار)

(وَتَكون حينا عَنْهُم مخبوءة ... فَكَأَنَّهَا سر من الْأَسْرَار)

(وَكَأَنَّهَا علمت مقادير الورى ... فتصرفت لَهُم على مِقْدَار)

(فَإِذا أحست بِالْإِمَامِ يزورها ... فِي قومه قَامَت إِلَى الزوار)

(يَبْدُو فتبدو ثمَّ تخفى بعده ... كتكون الهلالات للأقمار)

فطرب الْمَنْصُور لسماعها وارتاح لاختراعها

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب وَقد بطلت حركات هَذِه

<<  <  ج: ص:  >  >>