للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفرنج لجوازه وَتمكن رعبه فِي قُلُوبهم فَأخذُوا فِي تحصين بِلَادهمْ وإخلاء مَا قرب من الْمُسلمين من قراهم وحصونهم وَكتب إِلَيْهِ أَكثر أمرائهم يسألونه السّلم وَيطْلبُونَ مِنْهُ الْعَفو ووفد عَلَيْهِ مِنْهُم ملك ينبلونة مستسلما خاضعا طَالبا للصلح فَيُقَال إِنَّه قدم بَين يَدَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه إِلَى هِرقل ملك الرّوم يستشفع بِهِ وَقد كَانَ هَذَا الْكتاب وَقع إِلَيْهِ وراثة من بعض سلفه فاحتفل النَّاصِر لقدومه وصف لَهُ الجيوش من بَاب مَدِينَة قرمونة إِلَى بَاب إشبيلية أَرْبَعِينَ ميلًا ثمَّ عقد لَهُ الصُّلْح مَا دَامَت دولة الْمُوَحِّدين وَصَرفه إِلَى بِلَاده مكرما مسعفا بِجَمِيعِ مطالبه

وَعند ابْن خلدون أَن الَّذِي وَفد على النَّاصِر فِي هَذِه الْغَزْوَة هُوَ البيبوج أحد الْمُلُوك الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا وقْعَة الْأَرَاك قَالَ وَهُوَ الَّذِي مكر بالناصر يَوْم الْعقَاب قدم عَلَيْهِ وَأظْهر لَهُ التنصح وبذل لَهُ أَمْوَالًا ثمَّ غدر بِهِ وجر عَلَيْهِ الْهَزِيمَة وَالله أعلم

ثمَّ خرج النَّاصِر من إشبيلية غازيا بِلَاد قشتالة فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وسِتمِائَة فَسَار حَتَّى نزل حصن سلبطرة وَهُوَ حصن منيع وضع على قمة جبل وَقد تعلق بِأَكْنَافِ السَّحَاب لَيْسَ لَهُ مَسْلَك إِلَّا من طَرِيق وَاحِد فِي مضائق وأوعار فَنزل عَلَيْهِ لناصر وأدار بِهِ الجيوش وَنصب عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ منجنيقا فهتك أرباضه وَلم يقدر مِنْهُ على شَيْء

قَالُوا وَكَانَ وزيره أَبُو سعيد بن جَامع قد تمكن من النَّاصِر فأقصى شُيُوخ الْمُوَحِّدين وأعيانهم وَذَوي الحنكة والرأي مِنْهُم عَن بساطه وَانْفَرَدَ هُوَ بِهِ فَكَانَ يُشِير على النَّاصِر فِي غزوته هَذِه بآراء كَانَت سَبَب الضعْف والوهن وجلبت الكرة على الْمُسلمين من ذَلِك أَن النَّاصِر لما أعياه أَمر الْحصن عزم على النهوض عَنهُ إِلَى غَيره فَأَشَارَ عَلَيْهِ ابْن جَامع بِأَن لَا يتجاوزه حَتَّى يَفْتَحهُ فَيُقَال إِنَّه أَقَامَ على ذَلِك الْحصن ثَمَانِيَة اشهر فنيت فِيهَا أزواد النَّاس وَقلت علوفاتهم وكلت عزائمهم وفسدت نياتهم وانقطعت الأمداد عَن

<<  <  ج: ص:  >  >>