الْمحلة فغلت بهَا الأسعار وَدخل فصل الشتَاء فَاشْتَدَّ الْبرد وَأصَاب الْمُسلمين كل ضرّ وَيُقَال إِنَّه من طول مقَام النَّاصِر على ذَلِك الْحصن عشش الخطاف فِي جَانب خبائه وباض وأفرخ وطارت فِرَاخه وَهُوَ مُقيم على حَاله
واتصل بالفنش لَعنه الله مَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُسلمين من الضجر وَقلة الْمَادَّة وتشوش البواطن وَاخْتِلَاف الرَّأْي فاغتنم الفرصة وَبعث الحاشرين فِي مدائنه ودعا كل من قدر على حمل السِّلَاح من رَعيته فَاجْتمع لَهُ من ذَلِك مَا لَا حصر لَهُ
ثمَّ خَالف النَّاصِر إِلَى قلعة ريَاح فنازلها وَبهَا يَوْمئِذٍ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن قادس من قواد الأندلس وزعمائها كَانَ قد ترَتّب فِي ذَلِك الْحصن فِي جمَاعَة من الْخَيل لحمايته وَضَبطه فحاصره الفنش وَبَالغ فِي التَّضْيِيق عَلَيْهِ فَكَانَ ابْن قادس يكْتب لأمير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر يُعلمهُ بِحَالهِ ويستمده على عدوه وَهُوَ على حصن سلبطرة فَكَانَ الْوَزير ابْن جَامع إِذا وصلت إِلَيْهِ كتب ابْن قادس أخفاها عَن النَّاصِر لِئَلَّا يرحل عَن الْحصن قبل فَتحه فَلَمَّا طَال الْحصار على ابْن قادس وفنى مَا عِنْده من الأقوات وَالسِّلَاح ويئس من إمداد النَّاصِر إِيَّاه وخشي على من فِي الْحصن من النِّسَاء والذرية صَالح الفنش على تَسْلِيم الْحصن لَهُ وَخُرُوج الْمُسلمين آمِنين على أنفسهم فَفعل وَاسْتولى الفنش على قلعة رَبَاح
وَسَار ابْن قادس إِلَى النَّاصِر ليجتمع بِهِ ويعلمه بِالْأَمر على وَجهه وَسَار مَعَه صهر لَهُ بعد أَن عزم ابْن قادس عَلَيْهِ أَن يرجع فَأبى وَقَالَ إِن قتلت قتلت مَعَك وَلما وصل إِلَى الْوَزير ابْن جَامع أَمر بحبسه وَحبس صهره مَعَه ثمَّ دخل على النَّاصِر فَقَالَ لَهُ إِن ابْن قادس قد دفع الْحصن إِلَى الْعَدو ثمَّ قدم عَلَيْك وَأَرَادَ الدُّخُول عَلَيْك
وَكَانَ النَّاصِر قد تغير بَاطِنه على أهل الأندلس واتهمهم بكتمان أَمر الْعَدو عَنهُ حِين كَانَ بمراكش فَلَمَّا قدم ابْن قادس فِي هَذِه الْمرة وَقَالَ لَهُ ابْن