سنة وَكَانَ قد حفظ الْقُرْآن فَلَمَّا قدم للْقَتْل قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اعْفُ عني لثلاث قَالَ مَا هن قَالَ صغر سني وَقرب رحمي وحفظي لكتاب الله الْعَزِيز فَيُقَال إِن الْمَأْمُون نظر إِلَى القَاضِي كالمستشير لَهُ وَقَالَ لَهُ كَيفَ ترى قُوَّة جأش هَذَا الْغُلَام وإقدامه على الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام فَقَالَ القَاضِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك إِن تذرهم يضلوا عِبَادك وَلَا يلدوا إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا فَأمر بِهِ فَقتل رَحمَه الله ثمَّ أَمر بالرؤوس فعلقت بدائر سور الْمَدِينَة
ذكر ابْن أبي زرع أَنَّهَا كَانَت تنيف على أَرْبَعَة آلَاف رَأس وَكَانَ الزَّمَان زمن قيظ فنتنت بهَا الْمَدِينَة وتأذى النَّاس بريحها فَرفع إِلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ إِن هَهُنَا مجانين وَأَن تِلْكَ الرؤوس حروز لَهُم لَا يصلح حَالهم إِلَّا بهَا وَإِنَّهَا لعطرة عِنْد المحبين ونتنة عِنْد المبغظين ثمَّ أنْشد
(أهل الْحِرَابَة وَالْفساد من الورى ... بِالْقطعِ وَالتَّعْلِيق فِي الْأَشْجَار)
(ففساده فِيهِ الصّلاح لغيره ... يعزون فِي التَّشْبِيه للذكار)
(فرؤوسهم ذكرى إِذا مَا أَبْصرت ... فَوق الْجُذُوع وَفِي ذرى الأسوار)
(وَكَذَا الْقصاص حَيَاة أَرْبَاب النهى ... وَالْعدْل مألوف بِكُل جوَار)
(لَو عَم حلم الله سَائِر خلقه ... مَا كَانَ أَكْثَرهم من أهل النَّار)
وَهَذِه الفتكة الَّتِي ارتكبها الْمَأْمُون من الْمُوَحِّدين أنست فتكة الْحَارِث بن ظَالِم والبراض الْكِنَانِي والحجاف بن حَكِيم وَهِي الَّتِي استأصلت جمهورهم وأماتت نخوتهم وَإِذن الْمَأْمُون لِلنَّصَارَى القادمين مَعَه فِي بِنَاء الْكَنِيسَة وسط مراكش على شرطهم الْمُتَقَدّم فَضربُوا بهَا نواقيسهم وَكَانَت الْكَنِيسَة فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالسجينة
وَقبض على قَاضِي الْجَمَاعَة بمراكش وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الْحق فقيده وَدفعه إِلَى هِلَال بن حميدان الخلطي فحبسه حَتَّى أفتدي مِنْهُ بِسِتَّة آلَاف دِينَار
وَأقَام الْمَأْمُون بمراكش خَمْسَة أشهر ثمَّ نَهَضَ إِلَى الْجَبَل لقِتَال
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute