خَمْسَة وَأَرْبَعين أسطولا واستنفر كَافَّة أهل بَلَده من المحتلم إِلَى الشَّيْخ فَرَكبُوا الْبَحْر أَجْمَعُونَ وَلم يبْق بسبتة إِلَّا النِّسَاء والشيوخ وَالصبيان وَرَأى ابْن الْأَحْمَر مَا نزل بِأَهْل الجزيرة وإشراف الطاغية على أَخذهَا فندم على ممالاته إِيَّاه وَأعد أساطيل سواحله من الْمنْكب والمرية ومالقة فَكَانَت اثْنَي عشر أسطولا فبعثها مدَدا للْمُسلمين وَقدم من بادس وسلا وآنفى خَمْسَة عشر أسطولا فَنَهَضَ فِي الْوَقْت اثْنَان وَسَبْعُونَ أسطولا وَاجْتمعت كلهَا بمرفأ سبتة وَقد أخذت بطرفي الزقاق فِي أحفل زِيّ وأكمل استعداد ثمَّ تقدّمت إِلَى طنجة ليراها الْأَمِير يُوسُف فشاهدها وسر بهَا وَعقد لَهُم رايته مَعَ جمَاعَة من أبطال بني مرين رَغِبُوا فِي الْجِهَاد
ثمَّ أقلعت الأساطيل عَن طنجة ثامن ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وانتشرت قلوعهم فِي الْبَحْر فأجازوه وَبَاتُوا لَيْلَة المولد الْكَرِيم بمرفأ جبل الْفَتْح وصبحوا الْعَدو وأساطيله يَوْمئِذٍ تناهز أَرْبَعمِائَة فتظاهر الْمُسلمُونَ فِي دروعهم وأسبغوا من شكتهم وَأَخْلصُوا لله عزائمهم وتنادوا بِالْجنَّةِ وشعارها وَوعظ خطباؤهم وَذكر صلحاؤهم والتحم الْقِتَال وَنزل الصَّبْر فَلم يكن إِلَّا كلا وَلَا حَتَّى نضحوا الْعَدو بِالنَّبلِ ففسدت أفروطتهم واختل مَصَافهمْ وانكشفوا وتساقطوا فِي عباب الْبَحْر فاستلحمهم السَّيْف وغشيهم اليم وَاسْتولى الْمُسلمُونَ على أساطيلهم فملكوها وأسروا قائدها الملند فِي جمَاعَة من حَاشِيَته وَاسْتمرّ مثقفا بفاس حَتَّى فر بعد ذَلِك وسر الْمُسلمُونَ الَّذين بداخل الجزيرة بِفساد أفروطة الْعَدو وهلاكها
وَلما رأى عَسْكَر الطاغية الَّذِي فِي الْبر مَا أصَاب أهل الْبَحْر مِنْهُم من الْقَتْل والأسر داخلهم الرعب وخافوا من هجوم الْأَمِير يُوسُف عَلَيْهِم إِذْ كَانَ مُقيما بساحل طنجة مستعدا للعبور فقوضوا أبنيتهم وأفرجوا عَن الْبَلَد لحينهم وانتشر الْمُسلمُونَ وَالنِّسَاء وَالصبيان بِسَاحَة الْبَلَد كَأَنَّمَا نشرُوا من قبر وغلبت مُقَاتلَتهمْ كثيرا من عَسْكَر الْعَدو على مَتَاعهمْ فغنموا من الْحِنْطَة والإدام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute