أَن استهوى الْعَدو قواده بالأموال الجزيلة ثمَّ إِن الْعَدو خذله الله وَأرْسل أَبَا عبد الله بن أبي الْحسن صَاحب غرناطة وَعرض عَلَيْهِ الدُّخُول فِي الخطة الَّتِي دخل فِيهَا عَمه من النُّزُول لَهُ عَن الْبِلَاد على أَمْوَال جزيلة يبذلها لَهُ وَيكون تَحت حكمه مُخَيّرا فِي أَي بِلَاد الأندلس شَاءَ فَشَاور رَعيته فاتفق النَّاس على الِامْتِنَاع والقتال فَعِنْدَ ذَلِك أرهف الْعَدو حَده وَجعل غرناطة وَأَهْلهَا من شَأْنه بعد أَن استولى أثْنَاء هَذِه الْفِتَن والتضريبات على حصون كَثِيرَة لم نتعرض لذكرها حَتَّى لم يبْق لَهُ إِلَّا غرناطة وأعمالها وَقد اختصرنا مُعظم هَذِه الْأَخْبَار إِذْ لم تكن من مَوْضُوع الْكتاب وَإِنَّمَا ألممنا بِهَذِهِ النبذة تتميما للفائدة وَزِيَادَة فِي الإمتاع وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة خرج الْعَدو بمحلاته إِلَى مرج غرناطة وأفسد الزَّرْع ودوخ الأَرْض وَهدم الْقرى وَأمر بِبِنَاء مَوضِع بالسور والحفير فأحكمه وَكَانَ النَّاس يظنون أَنه عازم على الِانْصِرَاف فَإِذا بِهِ قد صرف عزمه إِلَى الْحصار وَالْإِقَامَة وَصَارَ يضيق على غرناطة كل يَوْم ودام الْقِتَال سَبْعَة أشهر وَاشْتَدَّ الْحصار بِالْمُسْلِمين غير أَن النَّصَارَى على بعد الطّرق بَين غرناطة والبشرات مُتَّصِلَة بالمرافق وَالطَّعَام يَأْتِي من نَاحيَة جبل شلير إِلَى أَن تمكن فصل الشتَاء وكلب الْبرد وَنزل الثَّلج فانسد بَاب الْمرَافِق وَانْقطع الجالب وَقل الطَّعَام وَاشْتَدَّ الغلاء وَعظم الْبلَاء وَاسْتولى الْعَدو على أَكثر الْأَمَاكِن خَارج الْبَلَد وَمنع الْمُسلمين من الْحَرْث وَالسَّبَب وضاق الْحَال وَبَان الاختلال وَعظم الْخطب وَذَلِكَ أول سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وطمع الْعَدو فِي الِاسْتِيلَاء على غرناطة بِسَبَب الْجُوع والغلاء دون الْحَرْب والقتال ففر نَاس كَثِيرُونَ من الْجُوع إِلَى البشرات ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر فِي شهر صفر من السّنة وَقل الطَّعَام وتفاقم الْخطب فَاجْتمع نَاس مَعَ من يشار إِلَيْهِ من أهل الْعلم كَأبي عبد الله الْمُوَافق شَارِح الْمُخْتَصر وَغَيره وَقَالُوا انْظُرُوا لأنفسكم وَتَكَلَّمُوا مَعَ سلطانكم فأحضر السُّلْطَان أَبُو عبد الله بن أبي الْحسن أهل دولته وأرباب مشورته وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْأَمر وَأَن الْعَدو يزْدَاد مدده كل يَوْم وَنحن لَا مدد لنا وَكُنَّا نظن أَنه يقْلع عَنَّا فِي فصل الشتَاء فخاب الظَّن وَبنى وَأسسَ وَأقَام وَقرب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute