الْملك فَإِنَّهُ قَامَ بعد مهلك أَخِيه وَجمع الجموع وزحف إِلَى مَحْمُود باشا فَنَهَضَ إِلَيْهِ مَحْمُود فَهَزَمَهُ وَقَتله فِيمَن مَعَه من جنده وَأَتْبَاعه وتمهدت لَهُ الْبِلَاد وَاسْتولى عَلَيْهَا اسْتِيلَاء كليا وَكتب بِخَبَر الْفَتْح إِلَى الْمَنْصُور
وَلما بلغه هَذَا الْفَتْح وَصورته كَانَ عِنْده ذَلِك الْيَوْم عيدا من الأعياد أخرج فِيهِ الصَّدقَات وَأعْتق الرّقاب وَأقَام مهرجانا عَظِيما بِظَاهِر الحضرة خرج لَهُ عَامَّة النَّاس للفرجة والنزهة وزينت الْأَسْوَاق وأخرجت المدافع بالنفط وتسابقت الْخُيُول وَأطْعم الْمَنْصُور النَّاس عدَّة أَيَّام ونظم الشُّعَرَاء قصائدهم وَرفعُوا أمداحهم وَأَجَازَهُمْ بِمَا تحدث النَّاس بِهِ دهرا وَكتب بِخَبَر الْفَتْح وَصورته نسخ وجهت إِلَى جَمِيع الْآفَاق وَكَانَ مِمَّا قيل فِي ذَلِك من الشّعْر مَا أنْشدهُ الْكَاتِب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الفشتالي فَقَالَ
(جَيش الصَّباح على الدجا متدفق ... فبياض ذَا السوَاد ذَلِك يمحق)
(وَكَأَنَّهُ رايات عسكرك الَّتِي ... طلعت على السودَان بيضًا تخفق)
(لاحت وأفقهم لَيَال كُله ... كعمود صبح فِي الدجا يتألق)
(نشرت لتطوي مِنْهُ لَيْلًا دامسا ... أضحى بسيفك ذِي الفقار يمزق)
(أرسلتهن جوائحا وجوارحا ... فِي كل مخلبها غراب ينعق)
(وسرت فَكَانَ دليلهن إِلَيْهِم ... مشحوذ عزمك والسنان الْأَزْرَق)
(لهي اللَّيَالِي قد جلى أحلاكها ... نور النُّبُوَّة من جبينك يشرق)
(صعِقَتْ بِهن رعود نارك صعقة ... رجت لصيحتها الْعرَاق وجلق)
(سحقا لإسحاق الشقي وَحزبه ... فَلَقَد غَدا بِالسَّيْفِ وَهُوَ مطوق)
(رام النجَاة وَكَيف ذَاك وَخَلفه ... من جَيش جؤذرك الغضنفر فيلق)
(جَيش أواخره ببابك سيله ... عرم وأوله بكاغو محدق)
(لم يشعروا إِلَّا وأسوار الردى ... ضربت عَلَيْهِم من قناك وَخَنْدَق)
(كتب الْإِلَه على عداتك أَنهم ... قنص لسهمك غربوا أَو شرقوا)
(ضلت مُلُوك ساجلوك على الْعلَا ... سفها وشأوك فِي الْعلَا لَا يلْحق)
(أَن يشبهوك وَلَا شَبيه يرى لكم ... فِي الْخلق أَيْن من اللجين الزئبق)
(بشر مُلُوك الأَرْض أَنَّك فاتح ... بالمشرفي على الولا مَا غلقوا)