للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ دمرداش قد ملك بِلَاد الرّوم جَمِيعهَا وجبال ابْن قرمان وَأقَام على كل دربند جمَاعَة تحفظه فَلَا يمر أحد إِلَّا وَيعلم بِهِ خوفًا على نَفسه من السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَن يبْعَث إِلَيْهِ فداويا يقْتله بِسَبَب مَا حصل بَينهمَا من المواحشة الَّتِي اقْتَضَت انحصار السُّلْطَان مِنْهُ وَأَنه منع التُّجَّار وَغَيرهم من حمل المماليك إِلَى مصر وَإِذا سمع بِأحد من جِهَة صَاحب مصر أخرق بِهِ. فشرع السُّلْطَان يخادعه على عَادَته ويهاديه ويترضاه وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَكتب إِلَى أَبِيه جوبان فِي أمره حَتَّى بعث يُنكر عَلَيْهِ فَأمْسك عَمَّا كَانَ فِيهِ قَلِيلا وَلبس تشريف السُّلْطَان وَقبل هديته وَبعث عوضهَا وَهُوَ مَعَ هَذَا شَدِيد التَّحَرُّز. فَلَمَّا قدمت رسل أبي سعيد بِطَلَبِهِ فتشهم الموكلون بالدربندات فوجدوا الملطفات فحملوهم وَمَا مَعَهم إِلَى دمرداش. فَلَمَّا وقف دمرداش عَلَيْهِمَا لم يزل يُعَاقب الرُّسُل إِلَى أَن اعْتَرَفُوا بِأَن أَبَا سعيد قتل دمشق خواجا وإخواته وَمن يلوذ بهم وَنهب أَمْوَالهم وَبعث بقتل جوبان. فَقتل دمرداش الرُّسُل وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء أَصْحَاب الملطفات فَقَتلهُمْ أَيْضا وَكتب إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر يرغب فِي طَاعَته ويستأذنه فِي الْقدوم عَلَيْهِ بعساكر الرّوم ليَكُون نَائِبا عَنهُ بهَا. فسر السُّلْطَان بذلك. وَكَانَ قد ورد على السُّلْطَان كتاب الْمجد السلَامِي من الشرق بقتل دمشق خواجا واخوته وَكتاب أبي سعيد بقتل جوبان وَطلب ابْنه دمرداش وَأَنه مَا عَاق أَبَا سعيد عَن الْحَرَكَة إِلَّا كَثْرَة الثَّلج وَقُوَّة الشتَاء. فَكتب السُّلْطَان النَّاصِر جَوَاب دمرداش يعده بمواعيد كَثِيرَة ويرعبه فِي الْحُضُور. فتحير دمرداش بَين أَن يُقيم فيأتيه أَبُو سعيد أَو يتَوَجَّه إِلَى مصر فَلَا يدْرِي مَا يتَّفق لَهُ. ثمَّ قوي عِنْده الْمسير إِلَى مصر وَأعلم أمراءه أَن عَسْكَر مصر سَار ليَأْخُذ بِلَاد الرّوم وَأَنه قد كتب إِلَيْهِ الْملك النَّاصِر يَأْمُرهُ أَن يكون نَائِبه فَمشى عَلَيْهِم ذَلِك وسرهم. وَأخذ دمرداش يُجهز أمره وحصن أَوْلَاده وَأَهله فِي قلعة منيعة وَبعث مَعَهم أَمْوَاله ثمَّ ركب بعساكره حَتَّى قَارب بهسنا فَجمع من مَعَه وأعلمهم أَنه يُرِيد مصر وَخَيرهمْ بَين الْعود إِلَى بِلَادهمْ وَبَين الْمسير مَعَه فعادوا إِلَّا من يخْتَص بِهِ. وَسَار دمرداش إِلَى بهسنا فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس فَتَلقاهُ نائبها ومازال حَتَّى قدم دمشق يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى صفر فَركب الْأَمِير تنكز إِلَى لِقَائِه وأنزله بالميدان وَقَامَ لَهُ بِمَا يجب وجهزه إِلَى مصر بعد مَا قدم بَين يَدَيْهِ الْبَرِيد بِخَبَرِهِ. فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان

<<  <  ج: ص:  >  >>