(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)
فِيهَا تزايدت الوحشة بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين شجر الدّرّ فعزم على قَتلهَا. وَكَانَ لَهُ منجم قد أخبرهُ أَن سَبَب قتلته امْرَأَة فَكَانَت هِيَ شجر الدّرّ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد غير عَلَيْهَا وَبعث يخْطب ابْنة صَاحب الْموصل. وأتفق أَن الْمعز قبض على عدَّة من البحرية وَهُوَ على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الْجَبَل وَفِيهِمْ أيدكين الصَّالِحِي. فَلَمَّا وصلوا تَحت الشباك الَّذِي تجْلِس فِيهِ شجر الدّرّ علم أيدكين أَنَّهَا هُنَاكَ فخدم بِرَأْسِهِ وَقَالَ التركي: الْمَمْلُوك أيدكين بشمقدار وَالله يَا خوند مَا علمنَا ذَنبا يُوجب مسكنا إِلَّا أَنه لما سير يخْطب بنت صَاحب الْموصل مَا هان علينا لِأَجلِك فَإنَّا تربية نِعْمَتك ونعمة الشَّهِيد المرحوم فَلَمَّا عتبناه تغير علينا وَفعل بِنَا مَا تَرين فأومأت شجر الدّرّ إِلَيْهِ بمنديل يَعْنِي: لقد سَمِعت كلامك فَلَمَّا نزلُوا بهم إِلَى الْجب قَالَ أيدكين: إِن كَانَ حبسنا فقد قَتَلْنَاهُ. وَكَانَت شجر الدّرّ قد بعثت نصرا العزيزي بهدية إِلَى الْملك النَّاصِر يُوسُف وأعلمته أَنَّهَا قد عزمت على قتل الْمعز والتزوج بِهِ وممليكه مصر. فخشي الْملك النَّاصِر يُوسُف أَن يكون هَذَا خديعة فَلم يجبها بِشَيْء. وَبعث بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يحذر الْملك الْمعز من شجر الدّرّ وَأَنَّهَا باطنت الْملك النَّاصِر يُوسُف فتباعد مَا بَينهمَا وعزم على إنزالها من القلعة إِلَى دَار الوزارة. وَكَانَت شجر الدّرّ قد استبدت بِأُمُور المملكة وَلَا تطلعه عَلَيْهَا وتمنعه من الِاجْتِمَاع بِأم ابْنه وألزمته بِطَلَاقِهَا وَلم تطلعه على ذخائر الْملك الصَّالح. فَأَقَامَ الْملك الْمعز بمناظر اللوق أَيَّامًا حَتَّى بعثت شجر الدّرّ من حلف عَلَيْهِ. فطلع القلعة وَقد أعدت لَهُ شجر الدّرّ خَمْسَة ليقتلوه: مِنْهُم محسن الْجَوْجَرِيّ وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يُسمى سنجر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول ركب الْملك الْمعز من الميدان بِأَرْض اللوق وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار. وَدخل إِلَى الْحمام لَيْلًا فأغلق عَلَيْهِ الْبَاب محسن الْجَوْجَرِيّ وَغُلَام كَانَ عِنْده شَدِيد الْقُوَّة ومعهما جمَاعَة. وقتلوه بِأَن أَخذه بَعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث الْمعز بشجرة الدّرّ فَقَالَت اتركوه فَأَغْلَظ لَهَا محسن الْجَوْجَرِيّ فِي القَوْل وَقَالَ لَهَا: مَتى تَرَكْنَاهُ لَا يبقي علينا وَلَا عَلَيْك ثمَّ قَتَلُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute