للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(سنة إِحْدَى عشر وَسَبْعمائة)

فِي مستهل الْمحرم: وصل الْأَمِير أرغون الدوادار إِلَى دمشق فاحترس مِنْهُ الْأَمِير قرا سنقر على نَفسه وَبعث إِلَيْهِ عدَّة من مماليكه يتلقونه وَيمْنَعُونَ أحدا مِمَّن قدم مَعَه أَن ينْفَرد. مَخَافَة أَن يكون مَعَه من الملطفات لِلْأُمَرَاءِ مَا فِيهِ ضَرَر. ثمَّ ركب إِلَيْهِ قرا سنقر ولقيه بميدان الْحَصَا ظَاهر الْمَدِينَة وأنزله عِنْده بدار السَّعَادَة ووكل بخدمته من ثقاته جمَاعَة. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أخرج لَهُ أرغون تَقْلِيد نِيَابَة حلب فقبّله وقَّبل الأَرْض على الْعَادة وَأخذ فِي التهيؤ للسَّفر وَلم يدع أرغون ينْفَرد عَنهُ بِحَيْثُ إِنَّه أَرَادَ زِيَارَة أَمَاكِن بِدِمَشْق فَركب مَعَه بِنَفسِهِ حَتَّى قضى أربه وَكثر تحدث النَّاس بِدِمَشْق فِي مَجِيء أرغون وَأَنه يُرِيد قبص قرا سنقر وَأَن قرا سنقر قد حَضَره فهم الْأُمَرَاء بالركوب على قرا سنقر وَأَخذه ثمَّ خَشوا الْعَاقِبَة وَأَنه لم يصل إِلَيْهِم مرسوم السُّلْطَان بذلك فكفوا عَنهُ. وَصَارَ الْأَمِير بيبرس العلائي يركب بمماليكه فِي اللَّيْل وَيَطوف حول القلعة على هَيْئَة الحرس. وَبلغ ذَلِك قرا سنقر فاستدعى الْأُمَرَاء كلهم إِلَى عِنْد الْأَمِير أرغون وَقَالَ لَهُم: إِنَّه قد بَلغنِي أَن بعض الْأُمَرَاء يركب فِي اللَّيْل وَيَطوف بالقلعة خشيَة أَن أخرج هَارِبا وَمَا فعل هَذَا إِلَّا برأيكم ولابد أَن يكون علمه عنْدك يَا أَمِير أرغون. فَإِن كَانَ قد حضر مَعَك مرسوم بِالْقَبْضِ عَليّ فَمَا يحْتَاج إِلَى فتْنَة فَإِنِّي طالع للسُّلْطَان وَهَذَا سَيفي خُذْهُ وَحل سَيْفه. فَقَالَ لَهُ أرغون: لم أحضر إِلَّا بتقليد الْأَمِير نِيَابَة حلب حسب سؤالك وحاش الله أَن يكون السُّلْطَان يرى الْأَمِير بِهَذِهِ الْعين وأبكز أرغون أَيْضا أَن يكون عِنْده علم بركوب الْأَمِير بيبرس العلائي فِي اللَّيْل حول السُّور فوعد قرا سنقر أَنه يتَوَجَّه غَدا إِلَى حلب وانفض الْمجْلس. ثمَّ إِن قراسنقر بعث إِلَى الْأُمَرَاء أَلا يركب أحد مِنْهُم لوداعه وَلَا يخرج من بَيته واستعد وَقدم أثقاله أَولا فِي اللَّيْل. فَلَمَّا أصبح ركب يَوْم الرَّابِع من الْمحرم فِي مماليكه وعدتهم سِتّمائَة فَارس وَركب أرغون بجانبه وبهادر آص فِي جمَاعَة قَليلَة. وَسَار قرا سنقر فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر أَن الْأَمِير سنقر الكمالي الْحَاجِب قد تَأَخّر فِي حلب بِجَمَاعَة من عَسْكَر مصر فعرج عَن الطَّرِيق حَتَّى إِذا قَارب حلب نزل وَقَالَ لأرغون: لَا أَدخل حلب وَبهَا أحد من عَسْكَر مصر فَبعث أرغون إِلَى سنقر الكمالي يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ من حلب فَلَمَّا رَحل عَنْهَا سنقر الكمالي دخل إِلَيْهَا قراسنقر فِي نصف الْمحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>