للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

وَدخلت سنة تسعين: وَقد تنافرت الْقُلُوب وقويت الوحشة بَين الْأَخَوَيْنِ وَاجْتمعت الْأُمَرَاء الصلاحية على أَن يكون الْأَمر كُله للعزيز فاضطربت أَحْوَال الْأَفْضَل. وَخرج الْعَزِيز من الْقَاهِرَة بعساكر مصر من الصلاحية والأسدية والأكراد وَغَيرهم يُرِيد الشَّام وانتزاعها من أَخِيه الْأَفْضَل من أجل أُمُور مِنْهَا أَن جبيل وَهُوَ من جملَة الْفتُوح الصلاحية كَانَ مَعَ رجل كردِي فَقِيه أَقَامَهُ صَلَاح الدّين مستحفظا بهَا فأرغبه الفرنج بِمَال حَتَّى سلمه لَهُم. وَخرج الْأَفْضَل من دمشق ليستنقذه من الفرثج فَتعذر عَلَيْهِ وَظهر الْعَجز عَن استخلاصه فامتعض الْأُمَرَاء لذَلِك وخوفوا الْعَزِيز من عَاقِبَة أَمر الفرنج فَسَار فِي صفر واستخلف أَخَاهُ الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود وَترك بِالْقَاهِرَةِ بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي وصيرم وَسيف الدّين يازكج وخطلج فِي تِسْعمائَة فَارس. وَاتفقَ أَن الْأَمِير صارم الدّين قايماز النجمي أحد أكَابِر الْأُمَرَاء الصلاحية استوحش من الْأَفْضَل لإعراضه عَنهُ فَخرج من دمشق يُرِيد إقطاعه وَلحق بالعزيز فَأكْرمه وَرفع مَحَله. وهم الْأَفْضَل بمراسلة أَخِيه الْعَزِيز واستعطافه فَمَنعه من ذَلِك وزيره ابْن الْأَثِير وعدة من أَصْحَابه وحسنوا لَهُ محاربته فَمَال إِلَيْهِم. وَبعث إِلَى عَمه الْعَادِل وَهُوَ بالشرق وَإِلَى أَخِيه الظَّاهِر بحلب وَإِلَى الْمَنْصُور بحماة وَإِلَى الأمجد صَاحب بعلبك وَإِلَى الْمُجَاهِد شيركوه صَاحب حمص يستنجدهم على أَخِيه الْعَزِيز. فوردت رسلهم فِي جُمَادَى الْآخِرَة يعدون بالقدوم عَلَيْهِ. ثمَّ إِنَّه برز من دمشق وَنزل بِرَأْس المَاء. فَلَمَّا وصل الْعَزِيز إِلَى الْقصير من الْغَوْر ضَاقَ الْأَفْضَل وَرجع من الفوار إِلَى رَأس المَاء فأدركت مُقَدّمَة الْعَزِيز ساقته وكادوا يكبسونه فَانْهَزَمَ إِلَى دمشق ودخلها لخمس مضين مِنْهُ. وَنزل الْعَزِيز فِي غده على دمشق فِي قُوَّة قَوِيَّة ونازل الْبَلَد. وَكَانَ الْأَفْضَل قد استعد لقتاله فَقدم الْعَادِل وَالظَّاهِر والمنصور والمجاهد والأمجد إِلَى دمشق. وَبعث الْعَادِل إِلَى ابْن أَخِيه الْملك الْعَزِيز يشفع فِي الْأَفْضَل ويستأذنه فِي الِاجْتِمَاع بِهِ فَأذن لَهُ. وَخرج الْعَادِل فَاجْتمع بالعزيز وكل مِنْهُمَا رَاكب وتحدث مَعَه فِي الصُّلْح وَأَن ينفس الخناق عَن الْبَلَد وَكَانَ قد اشْتَدَّ الْحصار وَقطعت الْأَنْهَار ونهبت الثِّمَار وَالْوَقْت زمن المشمش. فَوَافَقَ الْعَزِيز عَمه وَتَأَخر إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>