للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدّين بن نجا فوعظ النَّاس. وَأمر السُّلْطَان بترميم الْمِحْرَاب الْعمريّ الْقَدِيم وَحمل مِنْبَر مليح من حلب وَنصب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وأزيل مَا هُنَاكَ من آثَار النَّصْرَانِيَّة وغسلت الصَّخْرَة بعدة أحمال مَاء ورد وبخرت وفرشت ورتب فِي الْمَسْجِد من يقوم بوظائفه وَجعلت بِهِ مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة وغلقت كَنِيسَة قمامة ثمَّ فتحت وَقرر على من يرد إِلَيْهَا من الفرنج قطيعة يُؤَدِّيهَا. وَخرجت البشائر إِلَى الْخَلِيفَة بِالْفَتْح وَإِلَى سَائِر الْأَطْرَاف. ورحل السُّلْطَان عَن الْقُدس لخمس بَقينَ من شعْبَان يُرِيد عكا وَسَار الْعَزِيز عُثْمَان إِلَى مصر فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ. وَسَار الْعَادِل مَعَ السُّلْطَان فَنزلَا على عكا أول شهر رَمَضَان ثمَّ رَحل السُّلْطَان مِنْهَا وَنزل على صور فِي تاسعه وَكَانَت حَصِينَة وَقد استعد الفرنج فِيهَا فتلاحقت العساكر بالسلطان وَنصب على صور عدَّة من المجانيق وحاصرها واستدعى السُّلْطَان الأسطول من مصر فَقدم عَلَيْهِ عشر شواني وَصَارَ الْقِتَال فِي الْبر وَالْبَحْر فَأخذ الفرنج خمس شواني ووردت مُكَاتبَة الْخَلِيفَة على السُّلْطَان وفيهَا غلظة وإنكار أُمُور فَأجَاب بالإعتذار ورحل عَن صور فِي آخر شَوَّال. وعادت العساكر إِلَى بلادها وَأقَام السُّلْطَان بعكا وَسَار الْعَادِل إِلَى مصر فطرق الفرنج قلعة كَوْكَب وَقتلُوا بهَا جمَاعَة من الْمُسلمين ونهبوا مَا كَانَ بهَا وأتته على عكا رسل الْمُلُوك بالتهنئة من الرّوم وَالْعراق وخراسان بِفَتْح بَيت الْمُقَدّس. وَفِي هَذِه السّنة: أَعنِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة: اجْتمع الشَّمْس وَالْقَمَر والمريخ والزهرة وَعُطَارِد وَالْمُشْتَرِي وزحل وأظفار الذِّئْب فِي برج الْمِيزَان أَربع عشره سَاعَة فَاجْتمع المنجمون كلهم وحكموا بِكَوْن طوفان الرّيح وَأَنه كَائِن وواقع ولابد فتنقلب الأَرْض من أَولهَا إِلَى آخرهَا وَأَنه لَا يبْقى من الْحَيَوَان شَيْء إِلَّا مَاتَ وَلَا شَجَرَة وَلَا جِدَار إِلَّا سقط. وَكَانَ مُعظم هَذِه الْحُكُومَة عَن بِلَاد الرّوم وأرجفوا بِأَنَّهَا هِيَ الْقِيَامَة فَاتخذ قوم الكهوف والمغائر فِي الْجبَال وبالغوا فِي الِاعْتِدَاد لهول ذَلِك الْيَوْم. وَقَالَ الْقَوْم: كتب القدماء كلهَا أحالت على هَذَا الِاجْتِمَاع وَإِن فِيهِ دمار الدُّنْيَا. وَكَانَ ذَلِك فِي مسرى وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة للسابع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَهُوَ يَوْم الثُّلَاثَاء مَعَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلم تهب ريح وَلَا تحرّك نيل مصر وَهُوَ فِي زِيَادَته فِي مسرى وَمن الْعَادة أَن تهب الرّيح من الْعَصْر إِلَى الْعشَاء فِي وَجه المَاء ليقف بِإِذن الله فَتكون فِيهِ الأمواج فَلم يحدث تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَا ثَانِي يَوْم وَلَا قبلهَا بِيَوْم شَيْء من ذَلِك وطلع النَّاس بالسرج الموقدة على السطوحات لاختبار الْهَوَاء فَلم تتحرك نَار الْبَتَّةَ. كَانَ أَشد النَّاس إرجافا بِهَذِهِ الْكَوَاكِب الرّوم فأكذبهم الله وسلط عَلَيْهِم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف فَأخذ كبارهم وملأ الأَرْض من

<<  <  ج: ص:  >  >>