الطبلخاناه بِحَسبِهِ وَأقَام الْأَمِير قبغا عبد الْوَاحِد شادا وَأَن يُقيم مَعَه من جِهَة كل أَمِير أستاداره بعدة من جنده وألزم الْأُمَرَاء بِالْعَمَلِ ورسم لوالي الْقَاهِرَة بتسخير الْعَامَّة. فَأَقَامَ الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد فِي خيمته على جَانب الْموضع واستدعى أستادارية الْأُمَرَاء وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم فَلم يمض ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى حضرت إِلَيْهِ رجال الْأُمَرَاء من نواحيهم وَنزل كل أستادار بخيمته وَمَعَهُ دوابه وَرِجَاله فقسمت عَلَيْهِم الأرص قطعا مُعينَة لكل وَاحِد مِنْهُم فجدا فِي الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا. هَذَا وأقبغا داير بفرسه عَلَيْهِم يستحثهم ويخرق بأستادارية الْأُمَرَاء وَيضْرب بَعضهم وَيضْرب أَكثر أجنادهم. ووكل الْمُقدم عنبر السحرتي بِالرِّجَالِ وَكَانَ ظَالِما غشوماً بهم وكلفهم السرعة فِي أَعْمَالهم من غير أَن يُوجد لَهُم رخصَة وَلَا مكنهم من الاسْتِرَاحَة. وَكَانَ الْوَقْت صيفاً حاراً فَهَلَك كثير مِنْهُم فِي الْعَمَل لعجز قدرتهم عَمَّا كلفوه. وَمَعَ ذَلِك كُله والولاة تسخر من تظفر بِهِ من الْعَامَّة وتسوقه إِلَى الْعَمَل فيزل بِهِ الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ وَلَا عهد لَهُ بِمثلِهِ. وَكَانَ أحدهم إِذا عجز وَألقى بِنَفسِهِ إِلَى الأَرْض رمى أَصْحَابه عَلَيْهِ التُّرَاب فَمَاتَ لوقته هَذَا وَالسُّلْطَان يحضر كل يَوْم حَتَّى يرى الْعَمَل. وَكَانَ الْأَمِير ألطنبغا المارديني قد مرض وَأقَام بالميدان على النّيل أَيَّامًا حَتَّى برِئ وطلع إِلَى القلعة من بَاب القرافة. فاستغاث بِهِ النَّاس وسألوه أَن يخلصهم من هَذَا الْعَمَل فتوسط لَهُم عِنْد السُّلْطَان حَتَّى عفى السُّلْطَان النَّاس من السخرة وَأَفْرج عَمَّن قبض عَلَيْهِ مِنْهُم. فَأَقَامَ الْعَمَل سنة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى أَن فرغ مِنْهُ وأجريت إِلَيْهِ الْمِيَاه وأقيمت بِهِ الأغنام الْمَذْكُورَة والأبقار البلق. وبنيت بِهِ بيُوت للأوز فَبلغ ثمن البقل المصروف من الدِّيوَان برسم أكل فراخها فِي كل يَوْم مائَة وَخمسين درهما وَعند فرَاغ الْعَمَل من الحوش وترتيبه استدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَعمل لَهُم سماطاً جَلِيلًا وخلع على جمَاعَة مِمَّن بَاشر الْعَمَل وَغَيرهم. وفيهَا وصل من متجر الْخَاص سِتّمائَة قِطْعَة قطران طرحت على الزياتين وَأَصْحَاب المطابخ بِمِائَتي دِرْهَم الْقطعَة. ثمَّ طرح النشو أَيْضا ألف مقطع شرب بِحِسَاب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم المقطع وَقِيمَته مَا بَين مائَة وَخمسين وَمِائَة وَسِتِّينَ درهما المقطع. ثمَّ طرح النشو ثِيَاب المماليك الْخلقَة وأخفافهم العتيقة على أَرْبَابهَا بأغلى ثمن. وفيهَا جد النشو فِي السّعَايَة بالصفي كَاتب قوصون عِنْد السُّلْطَان وَأَنه يلْزمه فِي كل سنة للديوان عَن متاجره وزراعاً نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم حَتَّى ألزم السُّلْطَان الْأَمِير قوصون بمصادرته وَأخذ مَاله لنَفسِهِ فأوقع قوصون الحوطة على جَمِيع مَاله. وسعى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute