السُّلْطَان: أَنا أربيه كَمَا أعرف. فباشر عَلَاء الدّين عَن أَبِيه إِلَى أَن مَاتَ أَبوهُ وشهاب الدّين مُنْقَطع بداره طول تِلْكَ الْمدَّة من الْغبن. فَلَمَّا كَانَ فِي يَده هَذِه السّنة شكا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة أَنه كتب توقيع لِابْنِ الْأنْصَارِيّ بِرُجُوعِهِ إِلَى مُبَاشَرَته ورماه بقوادح. فَطلب السُّلْطَان الْأَمِير طاجار وَأنكر عَلَيْهِ فأحال على عَلَاء الدّين بن فضل الله أَنه أعطَاهُ قصَّته. فَطلب السُّلْطَان عَلَاء الدّين وَأنكر عَلَيْهِ فَاعْتَذر بِأَن أَخَاهُ شهَاب بعث بهَا إِلَيْهِ فاستقبح ردهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: لَا تكن تسمع من أَخِيك فَإِنَّهُ نحس وَمَا يقْعد حَتَّى أفعل بِهِ وأفعل بِهِ فَلم تمض إِلَّا أَيَّام حَتَّى رفع شهَاب الدّين قصَّة يشكو فِيهَا كَثْرَة كلفه وَيطْلب الْإِذْن بالتوجه إِلَى دمشق فَذكر السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَأمر بِهِ فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى القلعة. ورسم السُّلْطَان لطاجار والدوادار أَن يعريه فِي قاعة الصاحب ويضربه حَتَّى يلْزم بِحمْل عشرَة أُلَّاف دِينَار أَو يَمُوت تَحت الْعقُوبَة فعندما عراه طاجار رجف فُؤَاده وارتعدت مفاصله فَإِنَّهُ كَانَ ترفاً ذَا نعْمَة لم تمر بِهِ شدَّة قطّ فَكتب خطه بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار. وَوَقعت الحوطة على موجوده وَأخذ لَهُ نَحْو خمسين ألف دِرْهَم وَبَاعَ قماشه وأثاثه وأملاكه بِدِمَشْق حَتَّى حمل مائَة وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَسكن الطّلب مِنْهُ. وفيهَا وشى النشو بالأمير أقبغا عبد الْوَاحِد أَن لَهُ خَمْسَة أُلَّاف رَأس من الْغنم قدمت من بِلَاد الصَّعِيد ورعت براسيم الجيزة وَمَضَت إِلَى الغربية فرعت الزَّرْع فَطَلَبه السُّلْطَان وأخرق بِهِ فلولا شَاءَ الله أَن يتلطف الْأَمِير بشتاك فِي أمره وَألا أوقع بِهِ الْمَكْرُوه. وفيهَا خلع على الْأَمِير عز الدّين أيدمر كاشف الْوَجْه القبلي وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري. وفيهَا أنشأ السُّلْطَان القناطر بجسر شيبين. وَذَلِكَ أَن بِلَاد الشرقية كَانَت لَا تروى إِلَّا من بَحر أبي المنجا وَفِي أَكثر السنين تشرق بِلَاد الْعُلُوّ مِنْهَا مثل مرصفا وسنيت وَكَانَ للأمير بشتاك بهَا نَاحيَة شَرقَتْ فَركب السُّلْطَان للنَّظَر فِي ذَلِك وصحبته المهندسون وكشف عدَّة مَوَاضِع وَكَانَ لَهُ بصر جيد وحدس صَحِيح فَوَقع اخْتِيَاره على عمل جسر من شيبين إِلَى بنها الْعَسَل وتعمر عَلَيْهِ قناطر لتحبس المَاء فَإِذا فتح بَحر أبي المنجا امْتَلَأت المخازن رَجَعَ المَاء إِلَى هَذَا الجسر ووقف عَلَيْهِ فوافقه المهندسون على ذَلِك. وَرجع السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فَكتب إِلَى الْأَعْمَال بِجمع اثْنَي عشر ألف راجل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute