الطواشي الْمُقدم حَتَّى أَخذه وَمضى بِهِ إِلَى قوصون وَبَات عِنْده. وَطلب قوصون من الْغَد نَحْو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة مماليك وَمِنْهُم شيخو وصرغمتش وأيتمش عبد الْغَنِيّ فامتن خشداشيتهم من ذَلِك وَقَامَ مِنْهُم نَحْو الْمِائَة مَمْلُوك وَقَالُوا: نَحن مماليك السُّلْطَان مَا نَحن مماليك قوصون. وأخرجوا الطواشي الْمُقدم على أقبح صُورَة. فَمضى الطواشي الْمُقدم إِلَى قوصون وعرفه ذَلِك فَأخْرج إِلَيْهِم الْأَمِير برسبعا الْحَاجِب وشاورشي دواداره فِي عدَّة من مماليكه ليأتوه بهم فَإِذا بالمماليك السُّلْطَانِيَّة قد تعصبوا مَعَ كبارهم وَخَرجُوا على حمية إِلَى بَاب الْقلَّة يُرِيدُونَ الْأَمِير بيبرس الأحمدي فَإِذا بِهِ رَاكب. فَمَضَوْا إِلَى بَيت الْأَمِير جنكلي بن البابا فَلَقوهُ فِي طريقهم فتقدموا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ. نَحن مماليك السُّلْطَان مُشْتَرِي مَاله كَيفَ نَتْرُك ابْن أستاذنا ونخدم غَيره فينال غَرَضه منا ويفضحنا بَين النَّاس وجهروا بالْكلَام الْفَاحِش. فتلطف بهم جنكلي فَلم يرجِعوا عَمَّا هم عَلَيْهِ فحنق مِنْهُم وَقَالَ لَهُم: أَنْتُم الظَّالِمُونَ بالْأَمْس لما خَرجْتُمْ قلت لكم أَنا ونائب السُّلْطَان طقزدمر ارْجعُوا إِلَى خدمَة أستاذكم قُلْتُمْ مَا لنا أستاذ غير قوصون والآن تشكون مِنْهُ فاعتذروا ومضوا وَقد حضر الْأَمِير بيبرس الأحمدي فَاجْتمعُوا بِهِ وتوجهوا إِلَى منكلي بغا الفخري فَإِذا قد وافاه برسبغا من عِنْد قوصون فأرادوا أَن يوقعوا بِهِ فكفهم الفحري عَنهُ ومازال يتلطف بهم. هدا وقوصون قد بلغه خبرهم فَأَرَادَ أَن يخرج وَيجمع الْأُمَرَاء فمازال بِهِ من عِنْده من الْأُمَرَاء حَتَّى سكن إِلَى بكرَة النَّهَار فَكَانَت لَيْلَة مهولة بالقلعة. ثمَّ طلب قوصون جنكلي والأحمدي والفخري وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَيْهِ وأغراهم بالمماليك السُّلْطَانِيَّة. فبعثوا بأمير مَسْعُود إِلَيْهِم ليحضرهم فإدا جمعهم قد كثف وَكثر فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ فَعَاد. وَخرج إِلَيْهِم ألطنبغا المارداني وقطلوبغا الفخري وهما أكبر الناصرية - ومازالا بهم حَتَّى أخذا من وَقع عَلَيْهِ الطّلب ودخلا بهم إِلَى قوصون فقبلوا يَده فَقَامَ لَهُم وَقبل رُءُوسهم وَطيب خاطرهم وَوَعدهمْ بِكُل خير وَانْصَرفُوا وَفِي الظَّن أَنه قد حصل الصُّلْح وَذَلِكَ يَوْم السبت الْمَذْكُور. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ: وَقت الْغُرُوب تحالف المماليك السُّلْطَانِيَّة على قتل قوصون وبعثوا إِلَى من بِالْقَاهِرَةِ مِنْهُم فَبَاتَ قوصون وَقد بلغه ذَلِك على حذر. وَركب قوصون يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره الموكب مَعَ الْأُمَرَاء تَحت القلعة وَطلب أيدغمتش أَمِير أخور وَأخذ يلوم الْأُمَرَاء على إِقَامَته فِي نِيَابَة السلطنة وهم يترضونه ويعدونه بِالْقيامِ مَعَه. فأدركه الْأَمِير بيبرس الأحمدي وأعلمه بَان المماليك السُّلْطَانِيَّة قد اتَّفقُوا على قَتله فَمضى بالموكب مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر. فارتجت القلعة وغلقت أَبْوَابهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute