للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وابتدأ الوباء فِي الْقَاهِرَة ومصر بِالنسَاء والأطفال ثمَّ فِي الباعة حَتَّى كثر عدد الْأَمْوَات. فَركب السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وَأقَام بهَا من أول رَجَب إِلَى الْعشْرين مِنْهُ وَقصد الْعود إِلَى القلعة وأشير عَلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ بسرياقوس وَصَوْم شهر رَمَضَان بهَا. فبلغت عدَّة من يَمُوت ثَلَاثمِائَة نفر كل يَوْم بالطاعون موتا وجباً فِي يَوْم أَو لَيْلَة فَمَا فرغ شهر رَجَب حَتَّى بلغت الْعدة زِيَادَة على الْألف فِي كل يَوْم. وَصَارَ إقطاع الْحلقَة ينْتَقل إِلَى سِتَّة أنفس فِي أقل من أُسْبُوع فشرع النَّاس فِي فعل الْخَيْر وتوهم كل أحد أَنه ميت وَقدم كتب نَائِب حلب بِأَن بعض أكَابِر الصلحاء بحلب رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَومه وشكا إِلَيْهِ مَا نزل بِالنَّاسِ من الوباء فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْمُرهُم بِالتَّوْبَةِ وَالدُّعَاء وَهُوَ: اللَّهُمَّ سكن هَيْبَة صدمى قهرمان الحروب بألطافك النَّازِلَة الْوَارِدَة من فيضان الملكوت حَتَّى نتشبث بأذيال لطفك ونعتصم بك عَن إِنْزَال قهرك. يَاذَا الْقُوَّة وَالْعَظَمَة الشاملة وَالْقُدْرَة الْكَامِلَة يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَأَنه كتب بهَا عدَّة نسخ بعث بهَا إِلَى حماة وطرابلس ودمشق. وَفِي شعْبَان: تزايد الوباء فِي الْقَاهِرَة وَعظم فِي رَمَضَان وَقد دخل فصل الشتَاء فرسم بالاجتماع فِي الْجَوَامِع للدُّعَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس رَمَضَان نُودي أَن يجْتَمع النَّاس بالصناجق الخليفية والمصاحف عِنْد قبَّة النَّصْر فَاجْتمع النَّاس بعامة جَوَامِع مصر والقاهرة وَخرج المصريون إِلَى مصلى خولان بالقرافة واستمرت قِرَاءَة البُخَارِيّ بالجامع الْأَزْهَر وَغَيره عدَّة أَيَّام وَالنَّاس يدعونَ الله تَعَالَى ويقنتون فِي صلواتهم ثمَّ خَرجُوا إِلَى قبَّة النَّصْر وَفِيهِمْ الْأَمِير شيخو والوزير منجك والأمراء بملابسهم الفاخرة من الذَّهَب وَنَحْوه فِي يَوْم الْأَحَد ثامنه. وَفِيه مَاتَ الرحل الصَّالح عبد الله المنوفي فصلى عَلَيْهِ ذَلِك الْجمع الْعَظِيم. وَعَاد الْأُمَرَاء إِلَى سرياقوس وانفض الْجمع. وَاشْتَدَّ الوباء بعد ذَلِك حَتَّى عجز النَّاس عَن حصر الْأَمْوَات. فَلَمَّا انْقَضى شهر رَمَضَان قدم السُّلْطَان من سرياقوس وَحدث فِي شَوَّال بِالنَّاسِ نفث الدَّم فَكَانَ الْإِنْسَان يحس فِي بدنه بحرارة ويجد فِي نَفسه غثيان فيبصق دَمًا وَيَمُوت عَقِيبه ويتبعه أهل الدَّار وَاحِد بعد وَاحِد حَتَّى يفنوا جَمِيعًا بعد لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَلم يبْق أحد إِلَّا وَغلب على ظَنّه أَنه يَمُوت بِهَذَا الدَّاء. واستعد النَّاس جَمِيعًا وَأَكْثرُوا من الصَّدقَات وتحاللوا وَأَقْبلُوا على الْعِبَادَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>