ثمَّ ركب السُّلْطَان بعد الْعَصْر وَقد مدت أسمطة جليلة فَكَانَ يَوْمًا بِالْهَزْلِ وَاللَّهْو أشبه مِنْهُ بالجد ووقف السُّلْطَان حَتَّى فرض على كل من الْأُمَرَاء حفر قِطْعَة عينهَا لَهُ وَعَاد إِلَى القلعة وَاسْتمرّ الْعَمَل والنداء فِي كل يَوْم بِالْقَاهِرَةِ أَن يخرج أهل الْأَسْوَاق وَغَيرهم للْعَمَل فِي الْحفر. وَفِي تاسعه: ركب الْأَمِير ألطنبغا القرمشي أَمِير أخور وَمَعَهُ جَمِيع مماليكه وَأَتْبَاعه وَعَامة غلْمَان الإصطبل السلطاني والركابة من عرب آل يسَار والأوحاقية والبياطرة وصوفية الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق بِخَط بَين القصرين وأرباب وظائفها من أجل أَنهم تَحت نظره فَمَضَوْا بأجمعهم إِلَى بَاب السلسلة وتوجهوا مَعَه للْعَمَل وَخرج مَعَهم الْفِيل والزرافة بعدة طبول وزمور فَحَفَرُوا فِيهِ ونقلوا وَقد اجْتمع هُنَاكَ مُعظم النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء للفرحة فكثرت سخريتهم وتضاحك بَعضهم على بعض فأعفى القرمشي فُقَهَاء الظَّاهِرِيَّة من الْعَمَل وردهم وَتَوَلَّى الْقيام وَفِي عاشره: جمع الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا العثماني أتابك العساكر جَمِيع من يلوذ بِهِ وألزم كل من هُوَ سَاكن فِي شَيْء من الْبيُوت والحوانيت الْجَارِيَة فِي وقف المارستان المنصوري أَن يخرج مَعَه من أجل أَنه يَلِي نظر المارستان وَأخرج أَيْضا جَمِيع أَرْبَاب وظائفه من الْأَطِبَّاء والجرائحية والكحالين والفراشين والقراء والمباشرين والمؤذنين وَأخرج سكان جَزِيرَة الْفِيل لِأَنَّهَا من وقف المارستان. وتتابع الْأُمَرَاء فِي الْعَمَل وَخرج علم الدّين دَاوُد بن الكويز نَاظر الْجَيْش والصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص والأمير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار فِي حادي عشره وَمَعَ كل مِنْهُم طَائِفَة من أهل الْقَاهِرَة وَجمع غلمانه وَأَتْبَاعه وَمن يلوذ بِهِ وينسب إِلَيْهِ وَأخرج وَالِي الْقَاهِرَة جَمِيع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَكثر النداء فِي كل يَوْم بِالْقَاهِرَةِ على أَصْنَاف النَّاس بخروجهم للْعَمَل وَخرج كل أَمِير وَأخذ مَعَه جِيرَانه وَمن يقرب سكنه من دَاره فَلم يبْق عنبري وَلَا فراء وَلَا تَاجر وَلَا بزاز وَلَا قزاز وَلَا طباخ وَلَا جبان وَلَا سقاء وَلَا مُنَاد إِلَّا وَخرج للْعَمَل وَأخرج كَاتب السِّرّ القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن البازري مَعَه جَمِيع البريدية والموقعين بأتباعهم فعملوا. وَفِي رَابِع عشره: خلت أسواق الْقَاهِرَة وظواهرها من الباعة وغلقت القياسر وَخرج النَّاس للْعَمَل وجدوا فِي الْحفر نهارهم مَعَ ليلهم بِحَيْثُ لم يعف أحد من الْعَمَل وَكَثُرت حركات النَّاس وخروجهم إِلَى الْعَمَل طوائف طوائف وتكرر النداء فِي النَّاس بِالْخرُوجِ للحفير وتهديد من تَأَخّر عَنهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute