للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي ثامن عشره: توقف النّيل عَن الزِّيَادَة وَتَمَادَى على ذَلِك أَيَّامًا. فارتفع سعر الغلال وَأمْسك أَرْبَابهَا أَيْديهم عَن بيعهَا وَكثر قلق النَّاس ثمَّ نُودي فيهم أَن يتْركُوا الْعَمَل. بمعاصي الله وَأَن يلتزموا الْخَيْر. ثمَّ نُودي فِي ثَانِي عشرينه أَن يَصُومُوا ثَلَاثَة أَيَّام ويخرجوا إِلَى الصَّحرَاء فَأصْبح كثير من النَّاس صَائِما وَصَامَ السُّلْطَان أَيْضا. فَنُوديَ بِزِيَادَة إِصْبَع مِمَّا نَقصه ثمَّ نُودي من يَوْم الْأَحَد غده أَن يخرجُوا غَدا إِلَى الْجَبَل وهم صائمون فبكر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ وَسَار من منزله رَاكِبًا بِثِيَاب جُلُوسه فِي طَائِفَة حَتَّى جلس عِنْد فَم الْوَادي قَرِيبا من قبَّة النَّصْر وَقد نصب هُنَاكَ مِنْبَر فَقَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام وَأَقْبل النَّاس أَفْوَاجًا من كل جِهَة حَتَّى كثر الْجمع وَمضى من شروق الشَّمْس نَحْو ساعتين أقبل السُّلْطَان. بمفرده على فرس وَقد تزيا بزِي أهل التصوف فاعتم. بمئزر صوف لطيف وَلبس ثوب صوف أَبيض وعَلى عُنُقه شملة صوف مرخاة وَلَيْسَ فِي سَرْجه - وَلَا شَيْء من قماش فرسه - ذهب وَلَا حَرِير فَأنْزل عَن الْفرس وَجلسَ على الأَرْض من غير بِسَاط وَلَا سجادة مِمَّا يَلِي يسَار الْمِنْبَر فصلى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين رَكْعَتَيْنِ كَهَيئَةِ صَلَاة الْعِيد وَالنَّاس من وَرَائه يصلونَ بِصَلَاتِهِ. ثمَّ رقي الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين حث النَّاس فيهمَا على التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار وأعمال الْبر وَفعل الْخَيْر وحذرهم ونهاهم. وتحول فَوق الْمِنْبَر فَاسْتقْبل الْقبْلَة ودعا فَأطَال الدُّعَاء وَالسُّلْطَان فِي ذَلِك يبكي وينتحب وَقد بَاشر فِي سُجُوده التُّرَاب بجهته. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخطْبَة انفض النَّاس وَركب السُّلْطَان فرسه وَسَار والعامة مُحِيطَة بِهِ من أَربع جهاته يدعونَ لَهُ حَتَّى صعد القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وجمعًا موفورًا. وَفِي مُشَاهدَة جَبَّار الأَرْض على مَا وصفت مَا تخشع مِنْهُ الْقُلُوب ويرجى رَحْمَة جَبَّار السَّمَاء سُبْحَانَهُ. وَمن أحسن مَا نقل عَنهُ فِي هَذَا الْيَوْم. أَن بعض الْعَامَّة دَعَا لَهُ حَالَة الاسْتِسْقَاء أَن ينصره الله فَقَالَ: اسألوا فَإِنَّمَا أَنا وَاحِد مِنْكُم. فَللَّه دره لَو كَانَ قد أيد بوزر أصدق وبطانة خير لما قصر عَن الْأَفْعَال الجميلة بل إِنَّمَا اقْترن بِهِ فَاجر جريء أَو خب شقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>