انتصب قَائِما وَدخل يرسف فِي قيوده حَتَّى مثل بَين يَدي السُّلْطَان قَائِما وَقد جلس السُّلْطَان بالمقعد وَفِي خدمته أهل الدولة من الْأُمَرَاء والمماليك والمباشرين وَحضر الشريف بَرَكَات بن عجلَان أَمِير مَكَّة ورسل ابْن عُثْمَان ملك الرّوم ورسل صَاحب تونس ورسل أُمَرَاء التركمان ورسل عذراء أَمِير الغرب ومماليك نواب الْبِلَاد الشامية فعرضت الْغَنَائِم ثمَّ الأسرى ثمَّ جِيءَ بجينوس فِي قيوده مَكْشُوف الرَّأْس فَخر على وَجهه يعفره فِي التُّرَاب وَيقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَقد خارت قواه فَلم يَتَمَالَك نَفسه لهول مَا عاينه وَسقط مغشياً عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق من غشوته فَأمر بِهِ إِلَى منزل قد أعد لَهُ بالحوش من القلعة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما لم ندرك مثله أعز الله تَعَالَى فِيهِ دينه. وَفِيه نُودي بهدم الزِّينَة فهدمت وخلع على الْأُمَرَاء الْأَرْبَعَة القادمين من الْغُزَاة وأركبوا خيولا بقماش ذهب. وَفِي تاسعه: جمع التُّجَّار لشراء مَا حضر من الْغَنِيمَة وَهِي ثِيَاب وقماش وأثاث وأواني. وَأما جينوس فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي منزله أَتَتْهُ قصاد السُّلْطَان لطلب المَال فأظهر جلدا وَقَالَ: مَا لي إِلَّا روحي وَهِي بيدكم فَغَضب السُّلْطَان من جَوَابه وَبعث إِلَيْهِ من الْغَد يهدده أَن لم يفد نَفسه مِنْهُ بِالْمَالِ مُثبت على التجلد وَقَالَ: أَلا لعنة الله على وَاحِد من النَّصَارَى. فَأمر السُّلْطَان بإحضاره فَأخْرج إِلَى الحوش وَقد جعلت الأسرى فِيهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن شاهدوا جينوس ملكهم قد أخرج أَسِيرًا ذليلاً صرخوا بأجمعهم صرخة مهولة وحثوا بأكفهم التُّرَاب على رُءُوسهم وَالسُّلْطَان قد جلس بالمقعد وأوقف جينوس حَيْثُ أوقف أمس من تَحت المقعد وَقد وقف مَعَه جمَاعَة من قناصلة الفرنج فالتزموا عَنهُ بفدائه بِالْمَالِ من غير تعْيين شَيْء وأعيد إِلَى منزله وَدخل إِلَيْهِ قصاد الْملك لتقرير المَال. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: رسم لَهُ ببدلتين من قماشه ورتب لَهُ عشرُون رَطْل لحم وَسِتَّة أطيار دَجَاج فِي كل يَوْم وفسح لَهُ فِي الإجتماع بِمن يختاره وَطَالَ الْكَلَام فِيمَا يفْدي بِهِ نَفسه وَطلب مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف دِينَار فتقرر الصُّلْح على مِائَتي ألف دِينَار يقوم مِنْهَا مائَة ألف دِينَار فَإِذا عَاد إِلَى ملكه بعث بِمِائَة ألف دِينَار وَيقوم فِي كل سنة بِعشْرين ألف دِينَار وَاشْترط على السُّلْطَان أَن يكف عَنهُ الطَّائِفَة البندقية وَطَائِفَة الكيتلان. وَفِي حادي عشره: سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان عَائِدًا إِلَى مَكَّة أَمِيرا بهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute