فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول وَحمل من الْغَد حَتَّى صلى عَلَيْهِ تَحت القلعة بمصلى المرمني. وَنزل السُّلْطَان للصَّلَاة عَلَيْهِ فَتقدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العنتابي الْحَنَفِيّ فصلى عَلَيْهِ بِمن حضر وَكَانَ الْجمع موفوراً ثمَّ أُعِيد إِلَى خانكاه شيخو بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة فَدفن بهَا. وَهُنَاكَ كَانَ سكنه وَوجد لَهُ مبلغ أَلفَيْنِ وَسَبْعمائة دِرْهَم فُلُوسًا. وَمن خَبره أَن أَبَاهُ كَانَ من أهل الْيمن وَسكن مَدِينَة برصا من بِلَاد الرّوم وَتزَوج بهَا فولد أَحْمد هَذَا وَنَشَأ ببرصا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة شَابًّا وَنزل خانكاه شيخو وَقَرَأَ على إِمَام الْخمس بهَا خير الدّين سُلَيْمَان بن عبد الله فَقِيرا مملقاً يتَصَدَّق عَلَيْهِ بِمَا عساه يُقيم رمقه ويسد من خلته وينسخ بِالْأُجْرَةِ ثمَّ نزل بعد مُدَّة فِي جملَة صوفيتها بمبلغ ثَلَاثِينَ درهما الشَّهْر فَقَط فتعفف عِنْد ذَلِك عَن أَخذ مَا كَانَ يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ وَانْقطع عَن مجالسة النَّاس فِي بَيت بالخانكاه وَترك مخالطتهم وَأعْرض عَن كل أحد وَاقْتصر على ملبس خشن حقير إِلَى الْغَايَة وتقنع بِيَسِير الْقُوت وَصَارَ لَا ينزل من بَيته إِلَّا لَيْلًا ليَشْتَرِي قوته ثمَّ يطلع إِلَيْهِ فَإِذا حاباه أحد من الباعة فِيمَا يَشْتَرِيهِ من قوته تَركه وَمَا حاباه بِهِ. فَلَمَّا عرف بذلك تبرك الباعة بِهِ ووقفوا عِنْد مَا يُشِير لَهُم بِهِ ثمَّ صَار لَا ينزل من بَيته إِلَّا كل ثَلَاث لَيَال مرّة بعد عشَاء الْآخِرَة فيشتري قوته وَيعود إِلَى منزله وَلَا يقبل من أحد شَيْئا بِحَيْثُ أَن رجلا دس فِي قفته قَلِيل موز وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا رَآهُ عِنْد طلوعه إِلَى منزله لم يزل يفحص عَنهُ حَتَّى عرفه فَألْقى إِلَيْهِ موزه وَلم يزرأ مِنْهُ شَيْء وَكَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْبَارِد شتاء وصيفاً فِي كل يَوْم جُمُعَة ويمضي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة من أول النَّهَار ويظل يُصَلِّي حَتَّى تُقَام الصَّلَاة فَيكون قِيَامه فِي تركعه هَذَا بِنَحْوِ ربع الْقُرْآن من غير أَن تسمع لَهُ قِرَاءَة إِلَّا أَنه يطلّ قِيَامه حَتَّى يجوز أَنه يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بحزبين. وَمَعَ محبَّة النَّاس لَهُ وَكَثْرَة تعظيمهم لَهُ صانه الله من إقبالهم إِلَيْهِ فَكَانَ يمر إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى نَهَارا إِلَّا إِذا رَاح إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى لَيْلًا إِلَّا كل ثَلَاث ليَالِي إِذا نزل لشراء مَا يتقوت بِهِ وَلَا يَجْسُر أحد أَن يدنو مِنْهُ فَإِن دنا مِنْهُ أحد وَكَلمه لَا يجِيبه أَقَامَ على ذَلِك نَحْو الثَّلَاثِينَ سنة وَفِي أثْنَاء ذَلِك ترك النّسخ بِالْأُجْرَةِ وَاقْتصر على الثَّلَاثِينَ درهما فُلُوسًا فِي كل شهر وَأفضل مِنْهَا مَا وجد بعد مَوته وَكَانَ يرى فِي اللَّيْل وَقد قَامَ على قَدَمَيْهِ وَقَرَأَ ربع الْقُرْآن وَكَانَ يعرف الْقرَاءَات ورؤى مرّة بسطح الخانكاه وَقد مد يَده وفيهَا فتات الْخبز والطيور تَأْكُل مِمَّا فِي يَده وَكَانَ إِذا احْتَاجَ إِلَى خياطَة خيشة ليلبسها أَو إِعَانَة أحد عِنْد عَجزه فِي آخر عمره عَن حمل الجرة المَاء الَّتِي يتَوَضَّأ مِنْهَا أعطَاهُ من الْفُلُوس شَيْئا وَيَقُول: هَذَا أجرتك. وَكَانَت تمر بِهِ الأعوام الْكَثِيرَة لَا يتَلَفَّظ بِكَلِمَة سوى قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله. وَفِي كل شهر خَادِم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute