للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونادى فِي الْقَاهِرَة على لِسَانه بمجيء الممالك إِلَى الْأَمِير قرقماس وَأَنه ينْفق فيهم مِائَتي دِينَار لكل وَاحِد وبمجيء الزعر إِلَيْهِ وَأَنه يعْطى كل وَاحِد مِنْهُم عشْرين دِينَارا. فَعظم جمعه بِحَيْثُ توهم كثير من النَّاس أَن الْأَمر لَهُ. وَكَانَ السُّلْطَان عِنْد ذَلِك فِي نفر قَلِيل فبادر بنزوله من الْقصر إِلَى المقعد الَّذِي بِجَانِب بَاب السلسلة وَمَعَهُ المَال وَبعث بِجَمَاعَة لِلْقِتَالِ فَوَقَعت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ مرَارًا والجراح فَاشِية فيهم وَقد قتل جمَاعَة وَتعين الغلب لقرقماس وَمن مَعَه إِلَّا أَن عدَّة من الْأُمَرَاء فروا عَنهُ وصعدوا من بَاب السلسلة إِلَى السُّلْطَان فسر بهم ثمَّ أقبل أَيْضا من جِهَة الصليبة عدَّة أُمَرَاء ووقفوا تجاه قرقماس فِي هَيْئَة أَنهم جَاءُوا لِيُقَاتِلُوا مَعَه ثمَّ ساقوا خيولهم بِمن مَعَهم. ودخلوا بَاب السلسلة وصاروا مَعَ السُّلْطَان فإزداد بهم قُوَّة هَذَا وَقد دقَّتْ الكوسات السُّلْطَانِيَّة حَرْبِيّا بالطبلخاناه من القلعة وَقَامَت ثَلَاثَة مشاعلية على سور القلعة تنادى من كَانَ فِي طَاعَة السُّلْطَان فليحضر وَله من النَّفَقَة كَذَا وَكَذَا. ونثر مَعَ ذَلِك السُّلْطَان من المقعد على الْعَامَّة ذَهَبا كثيرا. وَصَارَ يقف على قَدَمَيْهِ ويحرض أَصْحَابه على الْقِتَال فَأَقْبَلت الفرسان نَحوه شَيْئا بعد شىء دَاخِلَة فِي طَاعَته وَتركت قرقماس. وَالْحَرب مَعَ هَذَا كُله قَائِمَة بَين الْفَرِيقَيْنِ ضربا بِالسُّيُوفِ وطعنًا بِالرِّمَاحِ إِلَّا أَن الرَّمْي من القلعة على قرقماس وَمن مَعَه بالنشاب كثير جدا مَعَ رمى الْعَامَّة لَهُم بِالْحِجَارَةِ فِي المقاليع لبغضها فِي قرقماس وَفِي الأشرفية فتناقص جمعهم وتزايد جمع السُّلْطَان إِلَى قبيل الْعَصْر فَتوجه بعض الأشرفية وَأخذُوا فِي إحراق بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن ليتمكنوا من الرَّمْي على القلعة من أَعْلَاهَا. فَلم يثبت قرقماس وفر وَقد جرح فثبتت الأشرفيهَ وقاتلت سَاعَة حَتَّى غلبت بِالْكَثْرَةِ عَلَيْهَا فإنهزمت بَعْدَمَا قتل من الفرسان والرجالة جمَاعَة وجرح الْكثير. فَمن جرح من السُّلْطَانِيَّة الْأَمِير تغرى بردى المؤذى حَاجِب الْحجاب من طعنة بِرُمْح فِي شدقه والأمير أسنبغا الطيارى الْحَاجِب فِي آخَرين فَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة من الحروب القوية بِحَسب الْوَقْت إِلَّا أَن قرقماس جرى فِيهَا على عَادَته فِي العجلة والتهور ففاته الحزم وأخطأه التَّدْبِير من وُجُوه عديدة ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَإذَا أرَادَ الله بقْوم سُوءًا فَلَا مَرد لَهُ. وعندما إنهزم الْقَوْم ندب السُّلْطَان لأمير أقبغا التمرازى أَمِير سلَاح فِي جمَاعَة لطلب المنهزمين فَتوجه نَحْو سرياقوس خشيَة أَن يمضوا إِلَى الشَّام فَكَانُوا أعجز من ذَلِك وَلم يجد أحدا فَعَاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>