للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا قدم السُّلْطَان من دمشق وَهُوَ مَرِيض فِي محفة لما بلغه من حَرَكَة الفرنج. فَنزل بأشموم طناح فِي الْمحرم وَجمع فِي دمياط من الأقوات والأسلحة شَيْئا كثيرا وَبعث إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي على نَائِبه بِالْقَاهِرَةِ أَن يُجهز الشواني من صناعَة مصر فشرع فِي تجهيزها وسيرها شَيْئا بعد شَيْء. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ أَن ينزل على جيزة دمياط بالعساكر ليصير فِي مُقَابلَة الفرنج إِذا قدمُوا فتحول الْأَمِير فَخر الدّين بالعساكر فَنزل بالجيزة تجاه دمياط وَصَارَ النّيل بَينه وَبَينهَا وَلم يقدر السُّلْطَان على الْحَرَكَة لمرضه وَنُودِيَ فِي مصر: من كَانَ لَهُ على وَفِي السَّاعَة الثَّانِيَة من يَوْم الْجُمُعَة لتسْع بَقينَ من صفر: وصلت مراكب الفرنج البحرية وفيهَا جموعهم الْعَظِيمَة صُحْبَة ريدافرنس - وَيُقَال لَهُ الفرنسيس واسْمه لويس ابْن لويس. وريدافرنس لقب بلغَة الفرنج مَعْنَاهُ ملك أفرنس - وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم فرنج السَّاحِل كُله فأرسوا فِي الْبَحْر بازاء الْمُسلمين. وسير ملك الفرنج إِلَى السُّلْطَان كتابا نَصه بعد كلمة كفرهم: أما بعد فَإِنَّهُ لم يخف عَنْك أَنِّي أَمِين الْأمة العيسوية كَمَا أَنِّي أَقُول أَنَّك أَمِين الْأمة المحمدية. وَإنَّهُ غير خَافَ عَنْك أَن أهل جزائر الأندلس يحملون إِلَيْنَا الْأَمْوَال والهدايا وَنحن نسوقهم سوق الْبَقر ولقتل مِنْهُم الرجل ونرمل النِّسَاء ونستأسر الْبَنَات وَالصبيان ونخلي مِنْهُم الديار وَقد أبديت لَك مَا فِيهِ الْكِفَايَة ونجلت لَك النصح إِلَى النِّهَايَة فَلَو حَلَفت لي بِكُل الْأَيْمَان وَدخلت على القسوس والرهبان وحملت قدامي الشمع طَاعَة للصلبان مَا ردني ذَلِك عَن الْوُصُول إِلَيْك وقتلك فِي أعز الْبِقَاع عَلَيْك فَإِن كَانَت الْبِلَاد لي فيا هَدِيَّة حصلت فِي يَدي وَإِن كَانَت الْبِلَاد لَك وَالْغَلَبَة عَليّ فيدك الْعليا ممتدة إِلَيّ. وَقد عرفتك وحذرتك من عَسَاكِر قد حضرت فِي طَاعَتي تملأ السهل والجبل وعددهم كعدد الْحَصَى وهم مرسلون إِلَيْك بأسياف القضا. فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى السُّلْطَان وَقُرِئَ عَلَيْهِ اغرورقت عَيناهُ بالدموع واسترجع. فَكتب الْجَواب بِخَط القَاضِي بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد كَاتب الْإِنْشَاء ونسخته بعد الْبَسْمَلَة وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ: أما بعد فَإِنَّهُ وصل كتابك وَأَنت تهدد فِيهِ بِكَثْرَة جيوشك وَعدد أبطالك. فَنحْن أَرْبَاب السيوف

<<  <  ج: ص:  >  >>