وَأخذ الْأَمِير فَخر الدّين يُطلق المسجونين ويتصرف فِي إِطْلَاق الْأَمْوَال وَالْخلْع علم خَواص الْأُمَرَاء وَأطلق السكر والكتان إِلَى الشَّام فَعلم النَّاس بِمَوْت السُّلْطَان من حِينَئِذٍ غير أَن أحدا لَا يَجْسُر أَن يتفوه بِهِ. وَسَار من المعسكر الْفَارِس أقطاي وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَأس المماليك البحرية لإحضار الْملك الْمُعظم من حصن كيفا وَبعث الْأَمِير حسام الدّين مُحَمَّد بن أبي عَليّ نَائِب السلطنة بِالْقَاهِرَةِ من عِنْده قَاصِدا من قبله أَيْضا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من شعْبَان أَمر الْأَمِير حسام الدّين الخطباء بِأَن يدعوا يَوْم الْجُمُعَة للْملك الْمُعظم بعد الدُّعَاء لِأَبِيهِ وَأَن ينقش اسْمه على السِّكَّة بعد اسْم أَبِيه وتوهم الْأَمِير حسام الدّين من الْأَمِير فَخر الدّين أَن يُقيم الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل ويستولي على الْأَمر فنقله من عِنْد عمات أَبِيه بَنَات الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب من الْقَاهِرَة إِلَى قلعة الْجَبَل ووكل بِهِ من يحْتَاط عَلَيْهِ وَلَا يُسلمهُ لأحد. هَذَا والمكاتبات ترد من الْأَمِير فَخر الدّين وعنوانها من فَخر الدّين الْخَادِم يُوسُف فيجيب عَنْهَا الْأَمِير حسام الدّين وَيجْعَل العنوان الْمَمْلُوك أَبُو عَليّ فيتجاملان فِي ظَاهر الْأَمر وَأما فِي الْبَاطِن فَإِن الْأَمِير فَخر الدّين أَخذ فِي الاستبداد والاستقلال بالمملكة واختص بالصاحب جمال بن مطروح وبالقاضي بهاء الدّين زهيرة وَصَارَ يركب فِي موكب عَظِيم وَجَمِيع الْأُمَرَاء فِي خدمته ويترجلون لَهُ عِنْد النُّزُول ويحضرون سماطه. وَوصل قَاصد الْأَمِير حسام الدّين إِلَى حصن كيفا وطالع الْملك الْمُعظم بِأَن الْمصلحَة فِي السرعة وَمَتى تَأَخّر فَاتَ الْفَوْت وتغلب الْأَمِير فَخر الدّين على الْبِلَاد ثمَّ وصل إِلَيْهِ بعد ذَلِك قصاد فَخر الدّين وَشَجر الدّرّ. فَخرج الْمُعظم من حصن كيفا لَيْلَة السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة مَضَت من شهر رَمَضَان فِي خمسين فَارِسًا من إِلْزَامه. وقص عانه ليعدي الْفُرَات وَقد أَقَامَ لَهُ بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل جمَاعَة وَأقَام لَهُ الحلبيون أَيْضا جمَاعَة يقبضون عَلَيْهِ فَنَجَّاهُ الله مِنْهُم وعدى الْفُرَات من عانة وسلك الْبَريَّة فخاطر بِنَفسِهِ وَكَاد يهْلك من الْعَطش. هَذَا وَشَجر الدّرّ تدبر الْأُمُور حَتَّى لم يتَغَيَّر شَيْء وَصَارَ الدهليز السلطاني على حَاله والسماط فِي كل يَوْم يمد والأمراء تحضر الْخدمَة وَهِي تَقول: السُّلْطَان مَرِيض مَا يصل إِلَيْهِ أحد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute