وَأمر السُّلْطَان بِإِخْرَاج الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ إِلَى بَحر أشموم فَتوجه إِلَيْهِ وأحضر الْوُلَاة وحفر هَذَا الْبَحْر وأزال مِنْهُ مَا تربى بِهِ من الأطيان وغرق عدَّة مراكب حَتَّى رد إِلَيْهِ المَاء. وَأمر بعمارة مَا خربه التتر من قلاع الشَّام: وَهِي قلعة دمشق وقلعة الضلت وقلعة عجلون وقلعة صرخد وقلعة بصرى وقلعة شيزر وقلعة الصبيبة وقلعة شميميش وقلعة حمص. فعمرت كلهَا ونظفت خنادقها ووسعت أبراجها وشحنت بِالْعدَدِ وجرد إِلَيْهَا المماليك والأجناد وخزنت بهَا الغلات والأزواد وحملت كَثِيرَة إِلَى دمشق وَفرقت فِي الْبِلَاد لتصير تقاوي الفلاحين. ورتب السُّلْطَان بِدِمَشْق بِعدْل وَبنى مشهداً فِي عين جالوت عرف بمشهد النَّصْر. ورتب السُّلْطَان الْبَرِيد فِي سَائِر الطرقات حَتَّى صَار الْخَبَر يصل من قلعة الْجَبَل إِلَى دمشق فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَيعود فِي مثلهَا. فَصَارَت أَخْبَار الممالك ترد إِلَيْهِ فِي كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ ويتحكم فِي سَائِر المماليك من الْعَزْل وَهُوَ مُقيم بقلعة الْجَبَل وَأنْفق فِي ذَلِك مَالا عَظِيما حَتَّى تمّ ترتيبه. وَنظر فِي أَمر الشواني الحربية وَكَانَ قد أهمل أَمر الأسطول بِمصْر وَأخذ الْأُمَرَاء رِجَاله واستعملوهم فِي الحراريق وَغَيرهَا فأعادهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وَأَنْشَأَ عدَّة شواني بثغري دمياط والإسكندرية وَنزل بِنَفسِهِ إِلَى دَار الصِّنَاعَة ورتب مَا يجب ترتيبه وتكامل عِنْده ببر مصر مَا ينيف على أَرْبَعِينَ قِطْعَة وعدة كَثِيرَة من الحراريق والطرائد وَنَحْوهَا. فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم حضر إِلَيْهِ رجل من أجناد الْأَمِير الصّقليّ وَأخْبرهُ أَن أستاذه فرق مَالا على جمَاعَة من المعزية وَقرر مَعَهم قتل السُّلْطَان: مِنْهُم الْأَمِير علم الدّين الغتمي والأمير بهادر المعزي والأمير شُجَاع الدّين بكتوت فَقبض على الْجَمِيع فِي ثامن ربيع الأول. وفيهَا قبض على الصاحب زين الدّين يَعْقُوب بن الزبير وعوق فِي قاعة الوزارة فشفع فِيهِ الْأَمِير سيف الدّين أنس فَخلع فِي يَوْمه. وَلم يقم سوى أَيَّام وَقبض السُّلْطَان على الْأَمِير أنس فَقبض على الصاحب زين الدّين بن الزبير فِي صَبِيحَة مسكه. ثمَّ طلب قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ليلى الوزارة فَأبى وَأقَام الْأَمِير فَارس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute