وَالصِّحَّةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْغَلَبَةَ وَعَدَمَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ مَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ.
(تَنْبِيهٌ آخَرُ مُهِمٌّ جِدًّا) مَا ذَكَرْته فِي الْقَيْدِ وَالنَّفْيِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ اسْتَنْبَطْتهَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَبَعًا لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَحَاصِلُهَا أَنَّك إنْ اعْتَبَرْت دُخُولَ النَّفْيِ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ كَانَ نَفْيًا لِذَلِكَ الْقَيْدِ دَائِمًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْقَيْدِ هُنَا لِلنَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ دُخُولُهُ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ فَتَمَحَّضَ انْصِرَافُهُ لِلْقَيْدِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ اعْتَبَرْت اشْتِمَالَ الْكَلَامِ عَلَى قَيْدٍ وَنَفْيٍ فَالْأَرْجَحُ الْمُتَبَادَرُ انْصِرَافُ النَّفْيِ إلَى الْقَيْدِ هُنَا أَيْضًا لِيُفِيدَ نَفْيَهُ وَعَلَيْهِمَا صَحَّ مَا ذَكَرْته فِي تَقْرِيرِ الْمَتْنِ الدَّافِعِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّ الْقَيْدَ لِلنَّفْيِ أَيْ انْتِفَاءَ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ فَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِغَلَبَةِ التَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهَا بِوَجْهٍ بَلْ لِكَوْنِ هَذَا النَّفْيِ غَالِبًا أَوْ غَيْرَهُ.
وَوَجْهُ مَرْجُوحِيَّةِ هَذَا، وَأَرْجَحِيَّةِ الْأَوَّلِ لَفْظًا أَنَّ الْعَامِلَ الْقَوِيَّ، وَهُوَ الْفِعْلُ أَوْلَى بِأَنْ يُجْعَلَ عَامِلًا فِي الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ مَثَلًا مِنْ الْعَامِلِ الضَّعِيفِ، وَهُوَ حَرْفُ النَّفْيِ فَتَقْدِيرُ ذَلِكَ بِلَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِمَا انْتِفَاءُ تَغَيُّرِهِ غَالِبٌ وَمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ هُوَ انْصِرَافُ النَّفْيِ إلَى الْقَيْدِ وَاحْتِمَالُ عَكْسِهِ مَرْجُوحٌ بَلْ جَعَلَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَدَمِ فَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ.
وَوَجْهُ تَبَادُرِ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ تَوَجُّهُهُمَا إلَى الْقَيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت جِئْتنِي رَاكِبًا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْإِخْبَارِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ رَاكِبًا فِي الْمَجِيءِ لَا نَفْسُ الْمَجِيءِ فَعَلَى الْأَرْجَحِ يَتَوَجَّهُ الْإِثْبَاتُ أَوْ النَّفْيُ لِلْقَيْدِ أَوَّلًا لِيُفِيدَ إثْبَاتَهُ أَوْ نَفْيَهُ وَعَلَى الْمَرْجُوحِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ فَيَكُونُ قَيْدًا لِلْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ لَا غَيْرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ الْقَيْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِثْبَاتُ أَوْ النَّفْيُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ زَعْمُ أَنَّ هَذَا الْمَرْجُوحَ هُوَ الْأَكْثَرُ الرَّاجِحُ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ الْقَيْدِ ضَائِعًا عَنْ غَرَضِ ذِكْرِهِ لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَمُنَاقَضَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ وَكَالتَّعْرِيضِ كَمَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ الْإِلْحَافِ فِيهَا التَّعْرِيضُ بِالْمُلْحِفِينَ تَوْبِيخًا لَهُمْ.
وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَنْعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا إلَى آخِرِهِ وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَنْفِيِّ لَهُ فَوَائِدُ وَكَفَى بِهِ غَرَضًا فِي جَوَازِهِ بَلْ حَسَنَةُ هَذَا كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مَا قِيلَ كَثِيرًا مَا يَقْصِدُونَ نَفْيَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِانْتِفَاءِ صِفَتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَوْ دَلِيلٌ آخَرُ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ
عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ
لَمْ يُرِدْ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ إثْبَاتَ مَنَارٍ انْتَفَى عَنْهُ الِاهْتِدَاءُ بَلْ نَفْيَ الْمَنَارِ مِنْ أَصْلِهِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] لَمْ يُرِدْ إثْبَاتَ السُّؤَالِ وَنَفْيَ الْإِلْحَافِ عَنْهُ بَلْ نَفْيُ السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ بِدَلِيلِ {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} [البقرة: ٢٧٣] إلَى آخِرِهِ إذْ التَّعَفُّفُ لَا يُجَامِعُ الْمَسْأَلَةَ وَمِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا قَوْلُ الْفَخْرِ الرَّازِيّ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ
ــ
[حاشية الشرواني]
غَلَبَ التَّغَيُّرُ) إلَخْ (وَقَوْلُهُ: فِي الْآخَرَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمُهُ فَتَغَيَّرَ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ فَتَغَيَّرَ) إلَخْ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: اسْتَنْبَطْتهَا إلَخْ) مِنْ الْعَجَبِ دَعْوَى الِاسْتِنْبَاطِ فِي مَسْأَلَةٍ مُصَرَّحٍ بِهَا مَشْهُورَةٍ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ سم، وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا وَاسْتَنْبَطَهَا كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ فَقَوْلُهُ: كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَنْبَطْتُهَا أَيْ اقْتَدَيْت بِالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَيْ فِي التَّصْرِيحِ بِهَا وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَحَاصِلُهُ أَنِّي لَمْ آخُذْهَا عَنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهَا كَالشَّيْخِ الْمَذْكُورِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ الصِّرْفِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَبُّهِ لِمَأْخَذِهَا مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عَمَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِيَّاهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَبِرِّهِ، وَأَسْبَلَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ ذَيْلَ سِتْرِهِ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ.
وَقَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْخَ إمَامٌ فِي الْفَنِّ يَسْتَنْبِطُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ الْبُلَغَاءِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَبَرْت اشْتِمَالَ الْكَلَامِ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ: هُنَا أَيْضًا) أَيْ فِي الِاعْتِبَارِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِمَا) أَيْ الِاعْتِبَارَيْنِ (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرْته) هُوَ قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَيْدَ هُنَا لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ أَيْ مَا لَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ انْتِفَاءَ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ) الْأَوْفَقُ لِمَا مَرَّ فِي مُقَابِلِهِ أَيْ يَغْلِبُ انْتِفَاءُ تَغَيُّرِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ إلَخْ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ تَسْلِيمُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَرْضِ أَنَّ الْقَيْدَ لِلنَّفْيِ مَعَ أَنَّ آخِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُصَرِّحٌ بِحُكْمِ غَلَبَةِ التَّغَيُّرِ وَمُفْهِمٌ لِحُكْمِ الِاسْتِوَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَيْدُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ لِلنَّفْيِ أَوْ الْمَنْفِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سَكَتَ عَنْ رَدِّهِ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَيْضًا لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا لِعَدَمِهَا) أَيْ لِلِاسْتِوَاءِ (قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ) أَيْ لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْفِعْلُ) أَيْ وَشَبَهُهُ (قَوْلُهُ: فِي الْمَفْعُولِ لَهُ) أَيْ فِي نَحْوِ مَا ضَرَبْته تَحْقِيرًا (قَوْلُهُ: فَتَقْدِيرُ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُ الْمَتْنِ لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا (قَوْلُهُ: بِمَا انْتِفَاءُ تَغَيُّرِهِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِضَمِيرِ مِنْهُ الرَّاجِعِ لِتَقْدِيرِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَفْظًا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) أَيْ الْقَيْدُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ تَوَجَّهَ النَّفْيُ أَوْ الْإِثْبَاتُ إلَى الْقَيْدِ (قَوْلُهُ: عَنْ غَرَضِ ذِكْرٍ إلَخْ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَكَانَ الْأَوْلَى عَنْ غَرَضِ التَّقْيِيدِ أَوْ التَّعْبِيرُ بِمِنْ بَدَلَ اللَّامِ (قَوْلُهُ: مَنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ الْقَيْدَ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْآيَةِ) أَيْ الْآتِيَةِ آنِفًا (قَوْلُهُ: أَنَّ تَقْيِيدَ النَّفْيِ) صَوَابُهُ الْمَنْفِيِّ بِالْمِيمِ (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ) أَيْ قَوْلُهُ: إنْ اُعْتُبِرَتْ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ: مَا تَقَرَّرَ) فَاعِلُ فَلَا يُنَافِي، (وَقَوْلُهُ: مَا قِيلَ) مَفْعُولُهُ وَالْمُرَادُ بِمَا تَقَرَّرَ أَرْجَحِيَّةُ الْأَوَّلِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ هُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَيْدَ هُنَا لِلْمَنْفِيِّ إلَخْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَثِيرًا مَا إلَخْ) بَدَلٌ مِمَّا قِيلَ (قَوْلُهُ: نَفْيَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِانْتِفَاءِ صِفَتِهِ) يَعْنِي نَفْيَ الْمُقَيَّدِ بِنَفْيِ قَيْدِهِ. اهـ. كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ وَكَانَ الْأَوْلَى الْأَخْصَرَ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَلِيلٌ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى السِّيَاقِ (قَوْلُهُ: عَلَى لَاحِبٍ) أَيْ هُوَ عَلَى لَاحِبٍ وَاللَّاحِبُ الطَّرِيقُ، (وَقَوْلُهُ: لَا يُهْتَدَى إلَخْ) صِفَةُ لَاحِبٍ. اهـ. كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: نَفْيُ الْحَقِيقَةِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
عَلَيْهِ فَمُخَيَّرٌ (قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ) هَذِهِ الصِّحَّةُ صَرَّحَ بِهَا قَوْلُهُ السَّابِقُ: وَإِذَا صَحَّ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا إلَخْ إذْ التَّخْيِيرُ فَرْعُ الصِّحَّةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ التَّصْرِيحُ لِصِدْقِ التَّغَيُّرِ بِالْحَاصِلِ بِطُولِ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ تَعْلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا اخْتَلَفَا إلَخْ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّصْرِيحَ (قَوْلُهُ: اسْتَنْبَطْتهَا إلَخْ) مِنْ الْعَجَبِ دَعْوَى الِاسْتِنْبَاطِ فِي مَسْأَلَةٍ مُصَرَّحٍ بِهَا