وَإِنْ قَضَى بِهِ حَاكِمُهُمْ، أَمَّا نَحْوُ كَنِيسَةٍ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ أَوْ لِسُكْنَى قَوْمٍ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْأَوْجَهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَعَلَى نَحْوِ قَنَادِيلِهَا أَوْ إسْرَاجِهَا وَإِطْعَامِ مَنْ يَأْوِي إلَيْهَا مِنْهُمْ لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ رِبَاطٌ لَا كَنِيسَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى هُنَا جَمِيعُ مَا يَأْتِي ثَمَّ
(فَرْعٌ)
يَقَعُ لِكَثِيرِينَ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي صِحَّتِهِمْ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ قَاصِدِينَ بِذَلِكَ حِرْمَانَ إنَاثِهِمْ وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ الْإِفْتَاءُ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ حِينَئِذٍ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ الْحِرْمَانِ مَعْصِيَةٌ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا كَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْأَوْلَادِ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ هِبَةً أَوْ وَقْفًا أَوْ غَيْرَهُمَا لَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَصْدَ الْحِرْمَانِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلتَّخْصِيصِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ صَرَّحُوا بِحِلِّهِ كَمَا عَلِمْتَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَبِتَسْلِيمِ حُرْمَتِهِ هِيَ مَعْصِيَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ ذَاتِ الْوَقْفِ كَشِرَاءِ عِنَبٍ بِقَصْدِ عَصْرِهِ خَمْرًا فَكَيْفَ يَقْتَضِي إبْطَالُهُ
(أَوْ) عَلَى (جِهَةِ قُرْبَةٍ) يُمْكِنُ حَصْرُهَا (كَالْفُقَرَاءِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا فُقَرَاءُ الزَّكَاةِ نَعَمْ الْمُكْتَسِبُ كِفَايَتَهُ وَلَا مَالَ لَهُ يَأْخُذُ هُنَا (وَالْعُلَمَاءِ) وَهُمْ حَيْثُ أُطْلِقُوا هُنَا أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيَّةِ (وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ) وَالْكَعْبَةِ وَالْقَنَاطِرِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ لَا تَرِكَةَ لَهُ وَلَا مُنْفِقَ يَلْزَمُهُ إنْفَاقُهُ (صَحَّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ عَلَى جَمَادٍ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا لِانْقِطَاعِ الْعُلَمَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ وَخَرَجَ بِيُمْكِنُ حَصْرهَا الْوَقْف عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ فَيَلْغُو كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ نَازَعَهُمَا السُّبْكِيُّ
(أَوْ) عَلَى (جِهَةٍ لَا يَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ.)
ــ
[حاشية الشرواني]
اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَضَى بِهِ إلَخْ) أَيْ فَنُبْطِلُهُ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَإِنْ قَضَى بِهِ حَاكِمُهُمْ لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْبَعْثِ عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ ع ش قَوْلُهُ: م ر بَلْ نُقِرُّهُ إلَخْ أَيْ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ شُرُوطَهُ عِنْدَ هُمْ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ فِي شَرِيعَتِنَا مُعْتَبَرًا فِي شَرِيعَتِهِمْ حِينَ كَانَتْ حَقًّا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِنُزُولِ الْمَارَّةِ) أَيْ وَلَوْ ذِمِّيِّينَ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: فِي صِحَّتِهِمْ) أَيْ، أَمَّا فِي حَالِ الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْبَاقِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ أَيْضًا. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ. وَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهُمَا) أَيْ كَالنَّذْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَصْدَ (لَازِمٌ إلَخْ) أَيْ لُزُومًا بَيِّنًا (قَوْلُهُ: بِحِلِّهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ
قَوْلُ الْمَتْنِ (أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ) أَيْ يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فِيهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ. اهـ. مُغْنِي وَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ مِثْلُهُ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا فُقَرَاءُ الزَّكَاةِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي (تَنْبِيهٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ فَقِيرَ الزَّكَاةِ وَالْوَقْفِ وَاحِدٌ فَمَا مُنِعَ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْهُ مِنْ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الصَّرْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ فَقِيرَةً لَهَا زَوْجٌ يُمَوِّنُهَا وَلَا الْمُكْفَى بِنَفَقَةِ أَبِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَالَ لَهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ مَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الزَّكَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْمِسْكِينَ فَمَنْ لَهُ مَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَقِيرٌ. اهـ. ع ش وَمَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي مَا يُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَالْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ) وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ لَا الْمُبْتَدِئُ مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ وَالْوَرَعُ لِلْمُتَوَسِّطِ التَّرْكُ وَإِنْ أَفْتَى بِالدُّخُولِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ مَنْ اشْتَغَلَ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِيهِ وَمُنْهِيَهُ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ النُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ أَوْ لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ وَلَوْ خَاطَ أَوْ نَسَجَ أَحْيَانًا فِي غَيْرِ حَانُوتٍ أَوْ دَرَسَ أَوْ وَعَظَ أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَلْبَسْ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ وَيَكْفِي فِيهِ مَعَ مَا مَرَّ التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ أَوْ الْمُخَالَطَةُ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ أَوْ الثَّوَابِ أَقَارِبُ الْوَاقِفِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَأَهْلُ الزَّكَاةِ غَيْرُ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ الْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ وَسَبِيلِ الثَّوَابِ كَانَ ثُلُثٌ لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِب الْوَاقِفِ وَثُلُثٌ لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِ وَالْمُؤَلَّفَةِ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ) أَيْ وَيُصْرَفُ لَهُمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ ع ش (قَوْلُهُ: فَيُخْتَصُّ بِهِ) أَيْ بِالْوَقْفِ عَلَى التَّجْهِيزِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِيُمْكِنُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَيْ الْحَصْرُ كَالْوَقْفِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا إلَى آخِرِ مَسْأَلَةِ التَّجْرِيدِ ثُمَّ قَالَ وَقِيَاسُهُ مَا مَرَّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ حَدَثَ فَقْرُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ إلَى آخَرِ مَا طَالَ بِهِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: أَمَّا نَحْوُ كَنِيسَةٍ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ إلَخْ) كَذَا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَإِطْعَامِ مَنْ يَأْوِي إلَيْهَا مِنْهُمْ) لِهَذَا شَبَّهَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ إمْكَانِ تَمْلِيكِهِ تَمْثِيلًا لِمَا لَا يَصِحُّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ رَيْعَهُ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ وَإِنْ عُلِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: بَلْ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ) كَذَا شَرْحُ م ر (فَرْعٌ)
فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَا نَصُّهُ مَسْأَلَةُ الْمَدَارِسِ الْمَبْنِيَّةِ الْآنَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُعْلَمُ لِلْوَاقِفِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ لِفَقْدِ كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَا يُقَامُ بِهَا جُمُعَةٌ هَلْ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ الْمَدَارِسُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ حَالُهَا مَعْلُومٌ فَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّ الْوَاقِفِ أَنَّهَا مَسْجِدٌ كَالشَّيْخُونِيَّة فِي الْإِيوَانَيْنِ خَاصَّةً دُونَ الصَّحْنِ وَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ كَالْكَامِلِيَّةِ والبيبرسية فَإِنْ فُرِضَ مَا يُعْلَمُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهَا مَسْجِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ نَازَعَهُمَا السُّبْكِيُّ) اعْتَمَدَ