وَفَارَقَ مَا يَأْتِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ تَكَرُّرَ قَلْبَهُ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِهِ هُنَا وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا التَّرْتِيبِ هُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَنُّ تَرْتِيبُ الْغُسْلِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ.
(تَنْبِيهٌ)
وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ يُقَدِّمُ غَسْلَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ عَلَى الْإِفَاضَةِ عَلَى رَأْسِهِ لِشَرَفِهَا وَنَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ أَوَّلَهُ بِمَا تَنْبُو عَنْهُ عِبَارَتُهَا، وَقَدْ تُوَجَّهُ عَلَى بُعْدِهَا بِأَنَّ شَرَفَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ اقْتَضَى تَكْرِيرَ طَهَارَتِهَا بِالْوُضُوءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدُ ثُمَّ يَغْسِلُهَا فِي ضِمْنِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّأْسِ ثُمَّ الْبَدَنِ (وَيَدْلُكُ) مَا تَصِلُ لَهُ يَدُهُ مِنْ بَدَنِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ دَلِيلُنَا أَنَّ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لَهُ مَعَ أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ شَرْعًا وَلُغَةً لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ مَا لَمْ تَصِلْ لَهُ يَدُهُ يَتَوَصَّلُ إلَى دَلْكِهِ بِيَدِ غَيْرِهِ مَثَلًا إذْ الْمُخَالِفُ يُوجِبُ ذَلِكَ (وَيُثَلِّثُ) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْوُضُوءِ تَخْلِيلَ رَأْسِهِ ثُمَّ غَسْلَهُ لِلِاتِّبَاعِ ثُمَّ تَخْلِيلَ شُعُورِ وَجْهِهِ ثُمَّ غَسْلَهُ ثُمَّ تَخْلِيلَ شُعُورِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ ثُمَّ غَسْلَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ.
وَهَذَا التَّرْتِيبُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَتَثْلِيثُ الْبَقِيَّةِ إمَّا بِأَنْ يَغْسِلَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ هَكَذَا ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً أَوْ يُوَالِي ثَلَاثَةَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ ثَلَاثَةَ الْأَيْسَرِ وَكَانَ قِيَاسُ كَيْفِيَّةِ التَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ تَعَيُّنُ الثَّانِيَةِ لِلسُّنَّةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَثَمَّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَغْسُولِ ثَمَّ كَالْيَدَيْنِ مُتَمَيِّزٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَتْ فِيهِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ كَوْنَ الْبَدَنِ فِيهِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ مَنَعَ قِيَاسَهُ عَلَى الْوُضُوءِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ وَأَوْجَبَ لَهُ حُكْمًا تَمَيَّزَ بِهِ وَهُوَ حُصُولُ السُّنَّةِ بِكُلٍّ مِنْ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
وَكَذَا يُسَنُّ تَثْلِيثُ الدَّلْكِ وَالتَّسْمِيَةُ وَالذِّكْرُ وَسَائِرُ السُّنَنِ هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ هُنَاكَ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى هُنَا أَكْثَرُ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَتَسْمِيَةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِالنِّيَّةِ وَاسْتِصْحَابُهَا وَتَرْكُ نَفْضٍ وَتَنَشُّفٍ وَاسْتِعَانَةٍ وَتَكَلُّمٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَالذِّكْرِ عَقِبَهُ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالْمُوَالَاةِ بِتَفْصِيلِهَا السَّابِقِ ثَمَّ وَسَيَذْكُرُهَا فِي التَّيَمُّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشرواني]
مُقَدَّمُهُ ثُمَّ مُؤَخَّرُهُ (قَوْلُهُ وَفَارَقَ) أَيْ مَا هُنَا حَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ لِلْأَيْسَرِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَيْمَنِ جَمِيعِهِ (مَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ قُدَّامٍ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ خَلْفٍ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ قَالَ النِّهَايَةُ وَعَلَى الْفَرْقِ لَوْ فَعَلَ هُنَا مَا يَأْتِي ثَمَّ كَانَ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِمُقَدَّمِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ اهـ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ مَا هُنَا) أَيْ تَقْدِيمَ الْأَيْمَنِ مُقَدَّمَهُ ثُمَّ مُؤَخَّرَهُ عَلَى الْأَيْسَرِ (فِيهِ) أَيْ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ لَفْظَةُ مَا مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ وَ (قَوْلُهُ يَسْتَلْزِمُ تَكَرُّرَ قَلْبِهِ) عِبَارَةُ تَكْرِيرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْسَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا يَأْتِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ يُسَنُّ تَرْتِيبُ الْغُسْلِ) أَيْ غُسْلِ الْحَيِّ (قَوْلُهُ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا إلَخْ) اعْتَمَدَهُ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَقَدْ تُوَجَّهُ) أَيْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهَا (عَلَى بُعْدِهَا) أَيْ عَنْ هَذَا التَّوْجِيهِ (قَوْلُهُ دَلِيلُنَا) أَيْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الدَّلْكِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ إلَخْ) وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ مَا تَصِلُ لَهُ إلَخْ إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعَانَةٌ فِي غَيْرِ مَا وَصَلْت إلَيْهِ يَدُهُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ عِنْدَهُمْ وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ نَظَرَ لِلطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَهُمْ بُجَيْرِمِيٌّ عِبَارَةُ شَيْخِنَا إنَّمَا قِيلَ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ فِيمَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ يَدُهُ فَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ وَلَمْ يُنْظَرْ لِلضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ نَظَرْنَا لَهُ سُنَّ دَلْكُ مَا ذُكِرَ بِنَحْوِ حَبْلٍ أَوْ عَصًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْوُضُوءِ) أَيْ فِي سَنِّ تَثْلِيثِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَهُ) أَيْ ثُمَّ دَلَكَهُ وَ (قَوْلُهُ شُعُورِ وَجْهِهِ) أَيْ مِنْ اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا وَ (قَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَهُ) أَيْ الْوَجْهَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشُّعُورِ أَيْ ثُمَّ دَلَّكَ الْوَجْهَ وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي (ثُمَّ غَسَلَهُ) أَيْ غَسَلَ بَاقِيَ الْبَدَنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشُّعُورِ ثُمَّ دَلَّكَهُ كَذَا فِي الْإِقْنَاعِ الْمُفِيدِ تَأْخِيرَ تَثْلِيثِ الدَّلْكِ عَنْ تَثْلِيثِ الْغُسْلِ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّفْرِيقِ بِأَنْ يَغْسِلَ ثُمَّ يُدَلِّكَ ثُمَّ هَكَذَا ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً لَمْ يَبْعُدْ فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت تَرْجِيحَ الْبَصْرِيِّ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَغْسِلَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ) أَيْ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ (ثُمَّ الْأَيْسَرَ) كَذَلِكَ خَطِيبٌ وَع ش وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ يُوَالِي ثَلَاثَةً الْأَيْمَنَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ) أَيْ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ حَيْثُ اقْتَصَرَا عَلَيْهَا فَقَالَا كَالْوُضُوءِ فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثَلَاثًا اهـ.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ لِلتَّمَيُّزِ وَالِانْفِصَالِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا) أَيْ فِي الْغُسْلِ (قَوْلُهُ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ) أَيْ فِي تَعَيُّنِ الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ حُصُولُ السُّنَّةِ بِكُلٍّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ تَسَاوِي الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَمُقْتَضَى مَا فَرَّقَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ لَا يُعْتَبَرُ تَعَدُّدٌ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ تَعَيُّنُ الْأُولَى فَلَا أَقَلَّ مِنْ تَرْجِيحِهَا وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا فِي النِّهَايَةِ وَيُجَابُ عَنْ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ بِأَنَّ جَعْلَهُ كَالْعُضْوِ لَا يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ هُنَا التَّرْتِيبُ لَا ثَمَّ بَصْرِيٌّ وَكَذَا صَرَّحَ بِتَرْجِيحِ الْأُولَى شَرْحُ الرَّوْضِ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْخَطِيبُ وَكَذَا الشَّارِحُ فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ الْأَوْلَى الْكَيْفِيَّةُ الثَّانِيَةُ كَمَا أَوْضَحْته فِي الْأَصْلِ فَرَاجِعْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالذِّكْرُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ ذِكْرَ أَوَّلِ الْوُضُوءِ عَقِبَهُ وَذَكَرَ (قَوْلُهُ هُنَاكَ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) لَعَلَّهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الْمَعَاطِيفِ (قَوْلُهُ بِتَفْصِيلِهَا) أَيْ الْمُوَالَاةِ (قَوْلُهُ وَسَيَذْكُرُهَا) أَيْ سُنِّيَّةَ الْمُوَالَاةِ فِي الْغُسْلِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى الذِّكْرِ وَمِنْ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
الْقَائِلِ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ أَنْ لَا تُجْزِئَ نِيَّةُ الْغُسْلِ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِ تَجَرُّدِ الْجَنَابَةِ عَنْ الْأَصْغَرِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ يَسْتَلْزِمُ تَكَرُّرَ قَلْبِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ تَكَرُّرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْسَرِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُ سُنَنِ الْوُضُوءِ) الْوَجْهُ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ السِّوَاكَ وَإِنْ تَسَوَّكَ لِلْوُضُوءِ قَبْلَهُ خِلَافًا لِمَنْ خَالَفَ (قَوْلُهُ