كَبَحْثِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ جَارَ الْمَسْجِدِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ لِخَبَرٍ فِيهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَثَمَّ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعُرْفِ كَمَا تَقَرَّرَ وَذَاكَ عَلَى تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا
(وَالْعُلَمَاءُ) فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ هُمْ الْمَوْصُوفُونَ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ كَمَا هُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ بِأَنَّهُمْ (أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ) وَهُوَ مَعْرِفَةُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ وَمَا أُرِيدَ بِهَا نَقْلًا فِي التَّوْقِيفِيِّ وَاسْتِنْبَاطًا فِي غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفَارِقِيُّ لَا يُصْرَفُ لِمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ دُونَ أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ (وَحَدِيثٍ) وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ حَالُ الرَّاوِي قُوَّةً وَضِدَّهَا وَالْمَرْوِيِّ صِحَّةً وَضِدَّهَا وَعُلِّلَ ذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْحِفْظِ وَالسَّمَاعِ (وَفِقْهٍ) بِأَنْ يَعْرِفَ مِنْ كُلِّ بَابٍ طَرَفًا صَالِحًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ بَاقِيهِ مُدْرَكًا وَاسْتِنْبَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ غَالِبُ الْوَصَايَا فَإِنَّهُ حَيْثُ أُطْلِقَ الْعَالِمُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ إلَّا أَحَدُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَوْصَى لِلْفَقِيهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ مَا ذُكِرَ بَلْ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ وَإِنْ قَلَّ نَظِيرُ مَا فِي الْوَقْفِ أَيْ بِأَنْ يُحَصِّلَ طَرَفًا مِنْ كُلِّ بَابٍ بِحَيْثُ يَتَأَهَّلُ لِفَهْمِ بَاقِيهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِحْيَاءِ وَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَلَوْ عَيَّنَ عُلَمَاءَ بَلَدٍ أَوْ فُقَرَاءَهُ مَثَلًا وَلَا عَالِمَ أَوْ لَا فَقِيرَ فِيهِمْ يَوْمَ الْمَوْتِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.
وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الثَّلَاثَةُ فِي وَاحِدٍ أَخَذَ بِأَحَدِهَا فَقَطْ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَلَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ اُخْتُصَّ بِالْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ وَالْمُتَفَقِّهُ مَنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْفِقْهِ، وَحَصَّلَ شَيْئًا مِنْهُ لَهُ وَقْعٌ (لَا مُقْرِئٌ) وَإِنْ أَحْسَنَ طُرُقَ الْقُرْآنِ وَأَدَاءَهَا وَضَبَطَ مَعَانِيَهَا وَأَحْكَامَهَا (وَأَدِيبٌ) وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ الْعُلُومَ الْعَرَبِيَّةَ نَحْوًا وَبَيَانًا وَصَرْفًا وَلُغَةً وَشِعْرًا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا (وَمُعَبِّرٌ) لِلْمُرَائِي النَّوْمِيَّةِ وَالْأَفْصَحُ عَابِرٌ مِنْ عَبَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَفِي الْحَدِيثِ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ (وَطَبِيبٌ) وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ عَوَارِضَ بَدَنِ الْإِنْسَانِ صِحَّةً وَضِدَّهَا وَمَا يَحْصُلُ أَوْ يُزِيلُ كُلًّا مِنْهُمَا (وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالنَّظَرِ لِمُتَعَلِّقِهِ أَفْضَلَ الْعُلُومِ وَأُصُولِيٌّ مَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْفِقْهُ مَبْنِيًّا عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَمَنْطِقِيٌّ وَإِنْ تَوَقَّفَتْ كَمَالَاتُ الْعُلُومِ عَلَى عِلْمِهِ وَصُوفِيٌّ وَإِنْ كَانَ التَّصَوُّفُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ تَطْهِيرُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَتَحْلِيَتُهُمَا بِكُلِّ كَمَالٍ دِينِيٍّ هُوَ أَفْضَلُ الْعُلُومُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْعُرْفِ وَلَوْ أَوْصَى
ــ
[حاشية الشرواني]
اهـ ع ش (قَوْلُهُ كَبَحْثِ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ جِيرَانَ الْمَسْجِدِ كَجِيرَانِ الدَّارِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، وَلَوْ رَدَّ بَعْضُ الْجِيرَانِ رُدَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ اهـ قَالَ ع ش أَيْ فَإِذَا أَوْصَى لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ لِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ، وَيَدْخُلُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَوْصَى إلَى وَيَكْفِي وَقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى وَالصُّوفِيَّةُ (قَوْلُهُ هُمْ الْمَوْصُوفُونَ إلَخْ) خَبَرُ وَالْعُلَمَاءُ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوْصُوفُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ بِالْفِعْلِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ اهـ سم أَقُولُ التَّوَقُّفُ وَاضِحٌ فِي الِاسْتِنْبَاطِيِّ فَقَطْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ التَّوْقِيفِيَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ آيَةٍ، وَأَمَّا الِاسْتِنْبَاطِيُّ فَيَكْفِي فِيهِ تَحْصِيلُ مَلَكَةٍ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَيْهِ اهـ سَيِّدٌ عُمَرُ (قَوْلُهُ وَمَا أُرِيدَ بِهَا إلَخْ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفَارِقِيُّ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّفْسِيرِ فِي كَلَامِ الْفَارِقِيِّ التَّوْقِيفِيَّ وَبِالْأَحْكَامِ الِاسْتِنْبَاطِيَّ أَيْ الْمَأْخُوذَ مِنْ مُمَارَسَةِ قَوَاعِدِ الْعُلُومِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا التَّفْسِيرُ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ اهـ سَيِّدٌ عُمَرُ (قَوْلُهُ وَهُوَ عِلْمٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهِ وَرِجَالِهِ وَطُرُقِهِ وَصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَعَلِيلِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ يُعْرَفُ بِهِ حَالُ الرَّاوِي إلَخْ) هَلْ الْعِبْرَةُ بِمَعْرِفَةِ حَالِ كُلِّ رَاوٍ أَوْ لَا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْمَعْرِفَةُ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَكِنَّ الْأَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ الْأَوَّلُ وَمِنْ الثَّانِيَيْنِ الثَّانِي وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَرْوِيِّ اهـ سَيِّدٌ عُمَرُ (قَوْلُهُ مُدْرَكًا وَاسْتِنْبَاطًا) ، وَيُرْجَعُ فِي حَدِّهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ إلَى عُرْفِ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَفِي زَمَانِنَا الْعَارِفِ لَمَّا اُشْتُهِرَ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِنْ مَذْهَبِهِ يُعَدُّ فَقِيهًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مِنْ كُلِّ بَابٍ مَا يَهْتَدِي بِهِ إلَى بَاقِيهِ اهـ ع ش وَلَوْ قِيلَ بِنَظِيرِهِ فِي الْمُفَسِّرِ وَالْمُحَدِّثِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) قَدْ يُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ بِتِلْكَ الْبَلَدِ عُلَمَاءُ بِغَيْرِ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَا شَاةَ لَهُ وَعِنْدَهُ ظِبَاءٌ تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي وَصِيَّتِهِ أَهْلَ مَحَلٍّ صُرِفَ إلَيْهِمْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ اتَّفَقَ وُجُودُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ بَعُدَ وَلَهُ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُلَمَاءُ أَوْ فُقَرَاءُ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ) إلَى قَوْلِهِ وَالْمُتَفَقِّهُ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَالْمُتَفَقِّهُ) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُوصِي (قَوْلُ الْمَتْنِ لَا مُقْرِئٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى أَصْحَابُ عُلُومِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَدَاءَهَا) عَطْفٌ عَلَى طُرُقَ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَضَبَطَ عَطْفٌ عَلَى أَحْسَنَ وَقَوْلُهُ وَأَحْكَامَهَا عَطْفٌ عَلَى مَعَانِيَهَا (قَوْلُهُ وَالْأَفْصَحُ إلَخْ) كَمَا قَالَ تَعَالَى {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ التَّشْدِيدَ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ الرُّؤْيَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى رُؤْيَا وَقَصَّهَا عَلَى جَمَاعَةٍ طَابَقَتْ مَا قَالَهُ أَوَّلُهُمْ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّعْبِيرِ وَلَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ التَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ اهـ ع ش (قَوْلُ الْمَتْنِ وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ) أَيْ عَالِمٌ بِالْعَقَائِدِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَأُصُولِيٌّ إلَخْ) وِفَاقًا لِلنِّهَايَةِ كَمَا مَرَّ وَخِلَافًا لِلْمُغْنِي عِبَارَتُهُ تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْعِلْمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ مِثْلُهَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحٍ وَفِقْهٍ وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا مُقْرِئٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ الرَّبْعُ كَالدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى بُيُوتٍ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ دُورَهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا فَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ دُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَلَا تُعَدُّ دَارًا وَاحِدَةً شَرْحُ م ر وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ إنَّ الرَّبْعَ يُعَدُّ دَارًا وَاحِدَةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَيُصْرَفُ لَهُ حِصَّةُ دَارٍ وَاحِدَةٍ تُقْسَمُ عَلَى بُيُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ دُورًا مُتَعَدِّدَةً انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ بِالْفِعْلِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) قَدْ يُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّهُ