لِلْقُرَّاءِ لَمْ يُعْطَ إلَّا مَنْ يَحْفَظُ كُلَّ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ لِأَجْهَلِ النَّاسِ صُرِفَ لِعُبَّادِ الْوَثَنِ فَإِنْ قَالَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ وَاسْتُشْكِلَتْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَهِيَ فِي الْجِهَةِ مُبْطَلَةٌ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الضَّارَّ ذِكْرُ الْمَعْصِيَةِ لَا مَا قَدْ يَسْتَلْزِمُهَا أَوْ يُقَارِنُهَا كَمَا هُنَا وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُهَا لَوْ قَالَ لِمَنْ يَعْبُدُ الْوَثَنَ أَوْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ وَقَبُولُ شَهَادَةِ السَّابِّ لَا تَمْنَعُ عِصْيَانَهُ بِالسَّبِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِيهِ أَوْ لِلسَّادَةِ فَالْمُتَبَادَرُ عُرْفًا أَنَّهُمْ الْأَشْرَافُ الْآتِي بَيَانُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُمْ شَرْعًا وَعُرْفًا الْعُلَمَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ الْعَامِلُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَسَيِّدُ النَّاسِ الْخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ وَالشَّرِيفُ الْمُنْتَسِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إلَى الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرَفَ وَإِنْ عَمَّ كُلَّ رَفِيعٍ إلَّا أَنَّهُ اُخْتُصَّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُرْفًا مُطَّرِدًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَأَعْقَلُ النَّاسِ وَأَكْيَسُهُمْ أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَحْمَقُهُمْ أَسْفَهُهُمْ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُثَلِّثُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ
(وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ) وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مَا يَأْتِي فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فَيَتَعَيَّنُ الْمُسْلِمُونَ (وَعَكْسُهُ) وَمِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْبَدِيعَةِ إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا وَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَيَجُوزُ النَّقْلُ هُنَا إلَى غَيْرِ فُقَرَاءِ بَلَدِ الْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْيَتَامَى وَالْعُمْيَانِ وَالزَّمْنَى وَنَحْوِهِمْ كَالْحُجَّاجِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَيُوَجَّهُ وَإِنْ أُطِيلَ فِي رَدِّهِ بِأَنَّ الْحَجَّ يَسْتَلْزِمُ السَّفَرَ بَلْ طُولَهُ غَالِبًا، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ غَالِبًا فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْفَقْرِ تَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ (وَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ النَّوْعَيْنِ فِي وَصِيَّةٍ (شُرِكَ) الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا أَيْ شَرَكَهُ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشرواني]
لِلْقُرَّاءِ إلَخْ) وَلَوْ أَوْصَى لِلْفُقَهَاءِ دَخَلَ الْفَاضِلُ دُونَ الْمُبْتَدِئِ مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَلِلْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهَا، وَالْوَرَعُ تَرْكُ الْأَخْذِ أَوْ لِلزُّهَّادِ فَلِمَنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الدُّنْيَا سِوَى مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ أَيْ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ أَوْ لِأَبْخَلِ النَّاسِ صُرِفَ إلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ اهـ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُعْطَ إلَّا مَنْ يَحْفَظُ كُلَّ الْقُرْآنِ) فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَى لِلرِّقَابِ صُرِفَ إلَى الْمُكَاتَبِينَ كِتَابَةً صَحِيحَةً، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى ثَلَاثَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مُكَاتَبٌ وُقِفَ الثُّلُثُ لِجَوَازِ أَنْ يُكَاتَبَ رَقِيقٌ فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ اسْتَرَدَّ الْمَالَ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ أَوْ لِسَبِيلِ اللَّهِ صُرِفَ إلَى الْغُزَاةِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ) أَيْ عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ غَلَطٌ يَسِيرٌ وَلَا لَحْنٌ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ) أَيْ لِعُبَّادِ الْوَثَنِ وَلِمَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهَا أَيْ الْوَصِيَّةَ لِمَنْ ذُكِرَ وَقَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ الْمَعْصِيَةُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الضَّارَّ ذِكْرُ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ مِمَّا يَأْتِي فِيهِ) أَيْ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عِبَارَتُهُ هُنَاكَ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَوْ اسْتَحَلَّ أَمْوَالَنَا وَدِمَاءَنَا اهـ (قَوْلُهُ فَالْمُتَبَادَرُ عُرْفًا) بَلْ شَرْعًا اهـ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ الْآتِي بَيَانُهُمْ) أَيْ آنِفًا بِقَوْلِهِ وَالشَّرِيفُ الْمُنْتَسِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالصُّوفِيَّةُ) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْعَالِمُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ ظَاهِرًا إلَخْ) (فَرْعٌ)
وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ أَوْصَى لِلْأَوْلِيَاءِ هَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَتُصْرَفُ لِلْأَصْلَحِ أَوْ تَلْغُو؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْوَلِيِّ بِأَنَّهُ الْمُلَازِمُ لِلطَّاعَةِ التَّارِكُ لِلْمَعْصِيَةِ الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ أُعْطِيَ الْمُوصَى بِهِ لَهُ وَإِلَّا لَغَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْوَلِيِّ فِي بَلَدِ الْمُوصِي بَلْ حَيْثُ وُجِدَ مَنْ اُجْتُمِعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَلِيِّ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ بَلَدِ الْمُوصِي أُعْطِيَهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ هُنَا إلَى غَيْرِ فُقَرَاءِ الْبَلَدِ إلَخْ اهـ ع ش وَقَوْلُهُ لُغَةً هَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ وَفِقْهٍ لَكِنَّ قَضِيَّةَ مَا قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلرِّقَابِ وَقْفُ الثُّلُثِ إلَى وُجُودِ الْوَلِيِّ.
(قَوْلُهُ وَسَيِّدُ النَّاسِ الْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَوْلُهُ وَالشَّرِيفُ الْمُنْتَسِبُ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِ وَإِلَّا فَعُرْفُ الْحِجَازِ وَحَوَالَيْهِ فِي زَمَنِنَا أَنَّ الشَّرِيفَ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ إلَخْ) وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جُعِلَتْ لَهُمْ الْعِمَامَةُ الْخَضْرَاءُ لِيَمْتَازُوا بِهَا فَلَا يَلِيقُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسُهَا؛ لِأَنَّهُ تَزَيَّ بِزِيِّهِمْ فَيُوهَمُ انْتِسَابُهُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُمَا وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَاعِلُهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالْمُثَلِّثُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ اهـ
ع ش (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِمَا) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلُهُ وَبِهِ يُجَابُ إلَى وَلَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (قَوْلُهُ فَيَتَعَيَّنُ الْمُسْلِمُونَ) وَلَا يَدْخُلُ الْفَقِيرُ الْمُكْتَفِي بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ وَلَا الْمَمَالِيكُ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ النَّقْلُ هُنَا) أَيْ حَيْثُ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ خَصَّهَا بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُقَرَاءِ بَلَدِ كَذَا مَثَلًا اُخْتُصَّ بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَقِيرٌ وَقْتَ الْمَوْتِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ اهـ سم (قَوْلُهُ لِلْيَتَامَى) أَوْ الْأَرَامِلِ أَوْ الْأَيَامَى أَوْ أَهْلِ السُّجُونِ أَوْ الْغَارِمِينَ أَوْ لِتَكْفِينَ الْمَوْتَى أَوْ حَفْرِ قُبُورِهِمْ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ وَالْأَيِّمُ وَالْأَرْمَلَةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا إلَّا أَنَّ الْأَرْمَلَةَ مَنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ، وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ زَوْجٍ وَيَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عَنْ الزَّوْجِ حَالًا، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ أَوْ الْأَبْكَارِ أَوْ الثَّيِّبِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجَاتٌ أَوْ لِلْعُزَّابِ صُرِفَ لِرَجُلٍ لَا زَوْجَةَ لَهُ وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْخَلِيَّةُ فِي أَوْجَهِ الرَّأْيَيْنِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَيُوَجَّهُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي يُقْتَضَى اشْتِرَاطُ فَقْرِهِمْ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحُجَّاجِ وَوَجْهُ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ وَيُوَجَّهُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ فِي رَدِّهِ لِاخْتِصَاصِ الْوَصِيَّةِ لِلْحُجَّاجِ بِفُقَرَائِهِمْ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ طُولُ السَّفَرِ (قَوْلُهُ فَكَانَ) أَيْ الْحَجُّ بَلْ الْوَصِيَّةُ لِلْحُجَّاجِ وَقَوْلُهُ مُشْعِرًا بِالْفَقْرِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ فِيهِمْ (قَوْلُهُ تَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ) ثُمَّ إنْ انْحَصَرُوا وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
مَا لَمْ يُوجَدْ بِتِلْكَ الْبَلَدِ عُلَمَاءُ بِغَيْرِ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَا شَاةَ لَهُ وَعِنْدَهُ ظِبَاءٌ تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ