للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ الدَّالُّ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِالْقَذْفِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَأَلْحَقَ مَا لَهُ بِمَا عَلَيْهِ طَرْدُ اللُّبَابِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ إيرَادِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ لَا يَعُمُّهُمَا كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ، وَالنَّهْيُ فِي {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] لِمَنْ فِي أَوَائِلِ النَّشْأَةِ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ سَوَاءٌ أَصَارَ زِقًّا مَطْرُوحًا أَمْ لَا، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّكْلِيفَ أَرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ صَحْوِهِ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَوْ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ نَحْوِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ، وَيُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ جُنُونٌ لَمْ يَتَوَلَّدْ عَنْ السُّكْرِ بِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمُدَّةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا.

(وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِصَرِيحِهِ) ، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ إجْمَاعًا وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَالِقٍ بِالتَّاءِ بِمَعْنَى طَالِقٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يُبْدِلُونَ الطَّاءَ تَاءً وَاطَّرَدَتْ لُغَتُهُمْ بِذَلِكَ كَانَ عَلَى صَرَاحَتِهِ

ــ

[حاشية الشرواني]

وَنُفُوذُ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ (قَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَيْهِ) أَيْ النُّفُوذِ نَعْتٌ لَهُ (قَوْلُهُ: إجْمَاعُ إلَخْ) فَاعِلُ الدَّالِّ (قَوْلُهُ: عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ: رَبْطُ الْأَحْكَامِ) أَيْ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ: بِالْأَسْبَابِ أَيْ كَالتَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: تَغْلِيظًا إلَخْ) مَفْعُولٌ لَهُ لِقَوْلِهِ يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ غَنِيٍّ عَنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ التَّغْلِيظِ. اهـ. كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ إيرَادِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ) وَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّهُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِمَا خِطَابُ الْوَضْعِ فِيمَا عَلَيْهِمَا كَالْإِتْلَافَاتِ لَكِنْ لَمْ يَلْحَقْ مَا لَهُمَا بِمَا عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا فِي جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمَا بَلْ فِي نَحْوِ الْإِتْلَافَاتِ خَاصَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْعِلَاوَةِ فِي كَلَامِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ) أَيْ فَالنَّائِمُ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَيْ فَحَيْثُ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي شَأْنِهِمَا بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ أَمْكَنَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِهِ لِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ كَمَا هُنَا. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ السَّكْرَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ مَعَ أَنَّهُ خُوطِبَ بِالنَّهْيِ فِي الْآيَةِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ اتِّفَاقًا. اهـ. رَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ: النَّشْوَةِ) هُوَ بِتَثْلِيثِ النُّونِ وَبِالْوَاوِ بِخِلَافِ النَّشْأَةِ بِالْمُهْمَزِ فَإِنَّهُ يُقَالُ نَشَأَ نَشْأَةً إذَا حَيَا وَرَبَا وَشَبَّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ زَالَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ. اهـ. كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ) أَيْ السَّكْرَانِ. اهـ. ع ش عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ تَعْبِيرَهُ بِالْأَصَحِّ فِيمَا مَرَّ الصَّرِيحُ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبُجَيْرَمِيِّ أَيْ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَعْنَوِيٌّ فَمَنْ قَالَ لَيْسَ مُكَلَّفًا عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا خِطَابَ تَكْلِيفٍ حَالَ عَدَمِ فَهْمِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُكَلَّفٌ أَرَادَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حُكْمًا أَيْ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ التَّكْلِيفِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِالسُّكْرِ مُتَعَلِّقٌ بِاتَّصَلَ.

(قَوْلُهُ: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ) أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. اهـ. مُغْنِي عِبَارَةُ ع ش أَيْ مِمَّنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ سَكْرَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَالِقٌ إلَخْ) .

(فَرْعٌ)

لَوْ قَالَ أَنْتِ دَالِقٌ بِالدَّالِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي تَالِقٍ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الدَّالَ وَالطَّاءَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْإِبْدَالِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الْأَلْسِنَةِ كَاشْتِهَارِ تَالِقٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ.

(فَرْعٌ)

لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْقَافِ الْمَعْقُودَةِ قَرِيبَةً مِنْ الْكَافِ كَمَا يَلْفِظُ بِهَا الْعَرَبُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُقُوعِ فَلَوْ أَبْدَلَهَا كَافًا صَرِيحَةً فَقَالَ طَالِكٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ تَالِقٌ بِالتَّاءِ إلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ عَنْهُ بِعَدَمِ الشُّهْرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَدَالِقٍ بِالدَّالِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَالتَّاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ أَيْ إبْدَالُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ.

(فَرْعٌ)

لَوْ أَبْدَلَ الْحَرْفَيْنِ فَقَالَ تَالِكٌ بِالتَّاءِ وَالْكَافِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ قَالَ دَالِكٌ بِالدَّالِ وَالْكَافِ فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ تَالِكٍ مَعَ أَنَّ لَهُ مَعَانٍ مُحْتَمَلَةٍ مِنْهَا الْمُمَاطَلَةُ لِلْغَرِيمِ وَمِنْهَا الْمُسَاحَقَةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَلْفَاظًا بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فَأَقْوَاهَا تَالِقٌ ثُمَّ دَالِقٌ وَفِي رُتْبَتِهَا طَالِكٌ ثُمَّ تَالِكٌ، وَهِيَ أَبْعَدُهَا وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا أَيْ تَالِكٌ لَا تَكُونُ كِنَايَةَ طَلَاقٍ ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ سم عَلَى حَجّ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي حَيْثُ قَالَا وِفَاقًا لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ إنَّهُ كِنَايَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا. اهـ. وَنَقَلَ سم عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ، وَأَقَرَّهُ وَكَذَا أَقَرَّهُ ع ش وَالرَّشِيدِيُّ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ) أَيْ النَّاطِقُ بِتَالِقٍ (قَوْلُهُ: مِنْ قَوْمٍ يُبْدِلُونَ الطَّاءَ تَاءً إلَخْ) ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي لِسَانِهِ عَجْزٌ خِلْقِيٌّ عَنْ النُّطْقِ بِالطَّاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي حَقِّهِ قَطْعًا فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى صَرَاحَتِهِ) قَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَتَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ بَلْ أَوْلَى بَلْ قَضِيَّةُ كَوْنِهِ كَالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ أَيْضًا إذَا عَرَفَ هَذِهِ اللُّغَةَ كَمَا أَنَّ التَّرْجَمَةَ صَرِيحٌ لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لِشُمُولِهِ لِلْعَرَبِيِّ. اهـ. سم

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

مِنْ النَّائِمِ، وَإِنْ أَثِمَ بِنَوْمِهِ؛ لِأَنَّ إثْمَهُ بِهِ لِخَارِجٍ لَا لِذَاتِهِ.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى صَرَاحَتِهِ) قَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَتَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ بَلْ أَوْلَى بَلْ قَضِيَّةُ كَوْنِهِ كَالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ أَيْضًا إذَا عَرَفَ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>