للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا التَّخَالُفُ نَشَأَ مِنْ تَنَاقُضِ الشَّيْخَيْنِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ وَشَكَّ هَلْ قَدِمَ أَوْ لَا فَجَرَيَا هُنَا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ لِلشَّكِّ فِي الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ.

وَفِي الْأَيْمَانِ عَلَى الْوُقُوعِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ الْإِفْتَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَنَّ الثَّالِثَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّونَ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ ذِكْرُ أَحْوَالٍ مَنُوطَةٍ بِإِرَادَتِهِ بَعْضُهَا يَقَعُ وَبَعْضُهَا لَا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يُفَسِّرْ حَنِثَ، وَفِي إنْ لَمْ أَصْطَدْ هَذَا الطَّائِرَ الْيَوْمَ فَأَصْطَادَ طَائِرًا وَشَكَّ أَهُوَ هُوَ أَوْ لَا حَنِثَ وَرَجَّحَ أَيْضًا فِي إنْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ الْيَوْمَ وَجُهِلَ دُخُولُهُ أَوْ مَشِيئَتُهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ وَمُنَازَعَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ رَدَّهَا الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا تُخَالِفُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ تَارَةً يُوجَدُ وَيُشَكُّ فِي مُقَارَنَةِ مَانِعٍ لَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ كَالنِّسْيَانِ، وَهَذَا لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَمُجَرَّدُ احْتِمَالِ وُجُودِهِ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ، وَمِنْهُ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَتَارَةً يُشَكُّ فِي وُجُودِ أَصْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا وُقُوعَ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ، وَمِنْهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَمَا مَعَهَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اخْتِلَافُ كَلَامِهِمْ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْإِفْتَاءُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي دُونَ الثَّالِثِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْمَشِيئَةِ وَالدُّخُولِ فَإِنَّهُ شَكَّ فِي وُجُودِ الْمَانِعِ، وَقَدْ عَمِلُوا بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمَذْكُورِ.

قُلْت قَدْ أَشَرْت إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا بِقَوْلِي أَوْ لَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَسِرُّهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَأَثَّرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا مَانِعًا فَإِنْ قُلْت: وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ التَّسْوِيَةُ فِي إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ بَيْنَ مَا إذَا شُكَّ فِي أَصْلِ قُدُومِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا إذَا عُلِمَ قُدُومُهُ وَشُكَّ هَلْ قَدِمَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَلَا حِنْثَ هُنَا أَيْضًا، وَهَذَا مُشْكِلٌ بِمَا لَوْ شُكَّ هَلْ قَدِمَ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا كَمَا يَقْتَضِيهِ الْإِفْتَاءَانِ الْأَوَّلَانِ قُلْت لَا إشْكَالَ بَلْ هُمَا هُنَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْقُدُومُ الْخَالِي عَنْ الْمَوَانِعِ، وَأَمَّا الْإِفْتَاءَانِ

ــ

[حاشية الشرواني]

إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ نَظِيرُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ زَيْدٌ الدَّارَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: هَذَا التَّخَالُفُ) أَيْ بَيْنَ الْإِفْتَاءِ الثَّانِي وَالْإِفْتَاءِ الثَّالِثِ

(قَوْلُهُ: مِنْ تَنَاقُضِ الشَّيْخَيْنِ) أَيْ كَلَامِهِمَا

(قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي بَابِ الطَّلَاقِ

(قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ فِي الصِّفَةِ إلَخْ) وَهِيَ عَدَمُ الْقُدُومِ

(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَيْمَانِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ هُنَا

(قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) أَيْ الْوُقُوعُ (قَوْلُهُ وَبِهِ إلَخْ) أَيْ بِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْوُقُوعِ يُعْلَمُ صِحَّةُ الْإِفْتَاءِ الْأَوَّلِ إلَخْ، وَفِي دَعْوَى عِلْمِهَا بِذَلِكَ تَأَمُّلٌ إذْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِفْتَاءَاتِ مِنْ الشَّكِّ فِي مُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وَمَا هُنَا مِنْ الشَّكِّ فِي وُجُودِ أَصْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الثَّالِثَ) عَطْفٌ عَلَى صِحَّةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ ذِكْرٌ أَحْوَالٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بَعْضُهَا إلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَقَعُ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُفَسِّرْ) أَيْ: وَلَمْ يُبَيِّنْ مُرَادَهُ

(قَوْلُهُ: وَفِي إنْ لَمْ اصْطَدْ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ

(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ) أَيْ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ أَيْضًا أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِيَادِ (قَوْلَهُ فِيهِ) أَيْ تَرْجِيحَ عَدَمِ الْحِنْثِ

(قَوْلُهُ: رَدُّهَا إلَخْ) خَبَرُ وَمُنَازَعَةُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا أَثَرَ إلَخْ) أَيْ الْمَانِعُ الَّذِي لَمْ يَدُلَّ لَهُ اللَّفْظُ أَوْ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَشُكَّ فِي مُقَارَنَةِ مَانِعٍ لَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَكَذَا ضَمِيرُ، وَمِنْهُ الْمَسَائِلُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلُ إلَخْ) لَعَلَّهُ أَرَادَ إلَّا مَسْأَلَةَ قُدُومِ زَيْدٍ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ بَعْدُ وَلِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْآتِي

(قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا وُقُوعَ إلَخْ) أَيْ مَا شُكَّ فِيهِ فِي وُجُودِ أَصْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَكَذَا ضَمِيرُ، وَمِنْهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ إلَخْ) وَمِمَّا يُسْتَشْكَلُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: لَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ فَقَالَ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ مَنْ رَمَاهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَيْ: وَلَمْ يُرِدْ تَعْيِينًا فَقَالَتْ رَمَاهُ مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ تَخْلُصُ مِنْ الْحِنْثِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَخَلَّصْ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُهُمَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا فِي الرَّافِعِ وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ اهـ فَقَدْ قَالُوا بِالْحِنْثِ هُنَا بِقَوْلِهَا آدَمِيٌّ مَعَ أَنَّ هَذِهِ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَمَا مَعَهَا فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ الشَّكِّ قِسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ

(قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ تَقْسِيمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ مَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ

(قَوْلُهُ: فِي وُجُودِ الْمَانِعِ) وَهُوَ الْمَشِيئَةُ أَوْ الدُّخُولُ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمَذْكُورِ) أَيْ آنِفًا

(قَوْلُهُ: وَسِرُّهُ) أَيْ سِرُّ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْمَانِعَ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ هُنَا حَقِيقَةً عَدَمُ الْمَشِيئَةِ وَعَدَمُ الدُّخُولِ لَا الْمَانِعُ الَّذِي هُوَ الْمَشِيئَةُ وَالدُّخُولُ فَلَعَلَّ الْجَوَابَ التَّحْقِيقِيَّ أَنَّ الشَّكَّ هُنَا حَقِيقَةٌ فِي نَفْسِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَازِمٌ لَهُ لِكَوْنِ الْمَانِعِ هُنَا نَقِيضَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: فِي وُجُودِ الصِّفَةِ) وَهِيَ الْمَشِيئَةُ أَوْ الدُّخُولُ

(قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي الشَّكِّ فِي الْقُدُومِ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا

(قَوْلُهُ: كَمَا يَقْتَضِيهِ إلَخْ) ، وَقَدْ يُمْنَعُ دَعْوَى الِاقْتِضَاءِ بِالْفَرْقِ بِوُجُودِ أَصْلِ الْمُعَلَّقِ فِي الْإِفْتَاءَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ هُنَا كَمَا يَأْتِي فِي الْجَوَابِ

(قَوْلُهُ: الْإِفْتَاءَانِ) كَذَا فِي أَصْلِهِ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَلِفٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِيمَا سَيَأْتِي اهـ سَيِّدُ عُمَرَ

(قَوْلُهُ: بَلْ هُمَا) أَيْ مَسْأَلَةُ هَلْ قَدِمَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَمَسْأَلَةُ هَلْ قَدِمَ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقُدُومُ إلَخْ) فِيهِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

قَوْلُهُ: وَتَارَةً يَشُكُّ فِي وُجُودِ أَصْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا وُقُوعَ فِيهِ إلَخْ) مِمَّا يُسْتَشْكَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ لَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ فَقَالَ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ مَنْ رَمَاهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ رَمَاهُ مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ تَخْلَصُ مِنْ الْحِنْثِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَخَلَّصْ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُهُمَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا فِي الرَّافِعِ وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ تَعْرِفْ مَشِيئَتَهُ اهـ فَقَدْ قَالُوا بِالْحِنْثِ هُنَا بِقَوْلِهَا آدَمِيٌّ مَعَ أَنَّ هَذِهِ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَمَا مَعَهَا فَلْيُحَرَّرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>