أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ الْمَقْصُودَةِ لِلْبُلَغَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى تَعْظِيمِ قَدْرِ الْمُشَبَّهِ دُونَ احْتِقَارِ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَقَائِقَ التَّشْبِيهِ الْمَانِعَةَ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ تَمْنَعُ قَصْدَ تَحْقِيقِ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مِنْهُ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ تَهَوُّرٍ وَاسْتِخْفَافٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ الرَّافِعِيِّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَرَجَّحَ غَيْرُهُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْجَلَالِ (أَوْ عِنَادًا) بِأَنْ عَرَفَ بِبَاطِنِهِ أَنَّهُ الْحَقُّ وَأَبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ (أَوْ اعْتِقَادًا) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَأْتِي فِي النِّيَّةِ أَيْضًا كَالْفِعْلِ الْآتِي وَحَذْفُ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَالْعَطْفُ بِأَوْ لُغَةٌ وَالْأَفْصَحُ ذِكْرُهَا وَالْعَطْفُ بِأَمْ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ إضْمَارَ التَّوْرِيَةِ أَيْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا يُفِيدُ فَيَكْفُرُ بَاطِنًا أَيْضًا لِحُصُولِ التَّهَاوُنِ مِنْهُ وَبِهِ فَارَقَ قَبُولُهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ بَاطِنًا
. (فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) أَخَذُوهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ النُّطْقِيِّ بِهِ إنْ سُلِّمَ وَإِلَّا فَمِنْ قَوْله تَعَالَى {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: ٨٨] لَكِنْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ وُرُودَ الْفِعْلِ كَافٍ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَوْ الْغَزَالِيِّ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِمَا أَوَّلَ الْكِتَابِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ» وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا قَدَّمْتُهُ ثَمَّ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَارِدُ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْو {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٤] {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] وَمَا فِي الْحَدِيثِ
ــ
[حاشية الشرواني]
أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ كَمَا فِي تَضْبِيبِهِ وَقَوْلُهُ الْمَقْصُودَةِ صِفَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي تَضْبِيبِهِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ إنَّهُ يَكْفُرُ، هُوَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَكْفُرُ إلَخْ، هُوَ الثَّالِثُ اهـ سم
(قَوْلُهُ: بِأَنْ عَرَفَ) إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَمَنْ نَفَى فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ كَالْفِعْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَحَذْفُ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ) أَيْ مِنْ قَالَهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لُغَةٌ) فِيهِ تَوْجِيهٌ آخَرُ عَنْ السِّيرَافِيِّ وَغَيْرِهِ تَقَدَّمَ فِي هَامِشِ مُعَامَلَاتِ الْعَبْدِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَيْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا) أَيْ كَأَنْ قَالَ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ قَبُولَهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ) صَرِيحُ السَّابِقِ فَرْضُ هَذَا فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ فَفِي الْمُحْتَمَلِ أَوْلَى اهـ سم عِبَارَةُ ع ش ظَاهِرُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ اهـ
(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ) اُنْظُرْ الصُّورَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّوْرِيَةَ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ ظَاهِرًا وَتَقْبَلُ فِيهَا بَاطِنًا اهـ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) أَيْ أَنْكَرَهُ وَهُمْ الدَّهْرِيَّةُ الزَّاعِمُونَ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا كَذَلِكَ بِلَا صَانِعٍ اهـ مُغْنِي (قَوْلُ الْمَتْنِ فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) (فَرْعٌ)
الْوَجْهُ فِيمَنْ قَالَ عَلِمَ اللَّهُ كَذَا مَثَلًا كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إذْ غَايَتُهُ الْكَذِبُ، وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كُفْرًا فَإِنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ أَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ مُطَابَقَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْوَاقِعِ بَلْ أَوْ جَوَّزَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْكُفْرِ وَالْوَجْهُ أَيْضًا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَذَابِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْلَا الْخَوْفُ مَا صَلَّى عَدَمُ إطْلَاقِ كُفْرِهِ بَلْ إنْ اعْتَقَدَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ تَعَالَى لِلْعِبَادَةِ فَلَا كُفْرَ وَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ عَنْهُمَا فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ الْكُفْرِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَخَذُوهُ) أَيْ إطْلَاقُ الصَّانِعِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: إنْ سُلِّمَ) أَيْ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ النُّطْقِيِّ (قَوْلُهُ: فَمِنْ قَوْله تَعَالَى) إلَى قَوْلِهِ وَيَأْتِي آخَرَ الْعَقِيقَةِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ عَلَى مَذْهَبِ إلَى أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَقَوْلَهُ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَقَوْلَهُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى إلَخْ) مَنْ هُوَ فَلْيُرَاجَعْ عِبَارَةُ الْجَلَالِ الدَّوَانِيّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ ذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ إلَى أَنَّهُ إنْ دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى اتِّصَافِهِ بِهِ جَازَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَرَدَ بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ إذْنُ الشَّرْعِ أَوْ لَمْ يَرِدْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى ثَابِتٍ لِلَّهِ تَعَالَى جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى بِلَا تَوْقِيفٍ إذَا لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُهُ مُوهِمًا بِمَا لَا يَلِيقُ بِكِبْرِيَائِهِ وَقَدْ يُقَالُ لَا بُدَّ مَعَ نَفْيِ ذَلِكَ الْإِيهَامِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ وَذَهَبَ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ وَمُتَابَعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيفِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ إلَى جَوَازِ إطْلَاقِ مَا عُلِمَ اتِّصَافُهُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْصِيفِ دُونَ التَّسْمِيَةِ اهـ.
بِحَذْفٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ) أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ تَعَالَى مَا لَا يُشْعِرُ بِنَقْصٍ وَقَوْلُهُ أَوْ الْغَزَالِيِّ أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ تَرِدْ وَهَذَا حِكْمَةُ الْعَطْفِ بِأَوْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا دَلِيلَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: ثَمَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
التَّعْلِيقَ عَلَى مَجِيئِهِ مُجَرَّدًا عَنْ الْأَمْرِ وَالطَّلَبِ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّعْظِيمِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَلِيقُ فِعْلُهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ بِالْأَدَبِ مَعَهُ وَأَرَادَ لَوْ جَاءَ مَا فَعَلْتُهُ مُرَاعَاةً لِلْأَدَبِ مَعَهُ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ قَطْعًا فَتَأَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: فَتَأَمَّلْهُ تَحْرِيضًا عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْفَرْقِ وَاسْتِفَادَتِهِ سم
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ كَمَا فِي تَضْبِيبِهِ وَقَوْلُهُ الْمَقْصُودَةِ صِفَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي تَضْبِيبِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَكْفُرُ) ، هُوَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَكْفُرُ) ، هُوَ الثَّالِثُ (قَوْلُهُ: لُغَةٌ) فِيهِ تَوْجِيهٌ آخَرُ عَنْ السِّيرَافِيِّ وَغَيْرِهِ تَقَدَّمَ فِي هَامِشِ مُعَامَلَاتِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: قَبُولُهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ) صَرِيحُ السِّيَاقِ فَرْضُ هَذَا فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ فَفِي الْمُحْتَمَلِ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ إلَخْ) فَرْعٌ
الْوَجْهُ فِيمَنْ قَالَ عَلِمَ اللَّهَ كَذَا مَثَلًا كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إذْ غَايَتُهُ الْكَذِبُ، وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كُفْرًا فَإِنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ أَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ مُطَابَقَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْوَاقِعِ بَلْ أَوْ جَوَّزَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْكُفْرِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِلِاسْتِخْفَافِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ فِيهِ نِسْبَةَ الْجَهْلِ إلَيْهِ تَعَالَى عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ الْجَوَاهِرِ الْكُفْرَ وَالْوَجْهُ أَيْضًا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَذَابِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْلَا الْخَوْفُ مَا صَلَّى عَدَمُ إطْلَاقِ كُفْرِهِ بَلْ إنْ اعْتَقَدَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ تَعَالَى الْعِبَادَةَ فَلَا كُفْرَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَوْلَا الْخَوْفُ عَصَى وَمُجَرَّدُ الْعِصْيَانِ وَقَصْدِهِ لَيْسَ كُفْرًا وَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ -