للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَظَاهِرٌ يُشَاهَدُ بِخِلَافِ النِّيَّةِ وَكَانَ هَذَا هُوَ حِكْمَةَ إضَافَتِهِ لِكُفْرٍ دُونَ الْآخَرِينَ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ قَدَّمَ النِّيَّةَ فِيمَا مَرَّ قُلْتَ: لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمُقَوِّمَةُ لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَقَدَّمَهَا فِي الْإِجْمَالِ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ فِي التَّفْصِيلِ لِمَا مَرَّ فَهُوَ صَنِيعٌ حَسَنٌ (سَوَاءٌ) فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْكُفْرَ (قَالَهُ اسْتِهْزَاءً) كَأَنْ قِيلَ لَهُ قَصُّ أَظْفَارِك فَإِنَّهُ سُنَّةٌ فَقَالَ لَا أَفْعَلُهُ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً وَكَأَنْ قَالَ لَوْ جَاءَنِي النَّبِيُّ مَا قَبِلْتُهُ مَا لَمْ يُرِدْ الْمُبَالَغَةَ فِي تَبْعِيدِ نَفْسِهِ عَنْ فِعْلِهِ أَوْ يُطْلِقْ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ التَّبْعِيدُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مُحْتَجًّا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ شَفَاعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ فِي شَيْءٍ كَمَا وَقَعَ لِبَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ يَكْفُرُ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ عَدَمِ قَبُولِ الشَّفَاعَةِ مُجَرَّدًا عَمَّا يُشْعِرُ بِاسْتِخْفَافٍ وَقَوْلِهِ لَوْ إلَخْ فَإِنَّ فِي هَذَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالِاسْتِهْتَارِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ الْكُفْرُ فَإِنْ قُلْتَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ لَيْسَ مِنْ التَّنْقِيصِ قَوْلُ مَنْ سُئِلَ فِي شَيْءٍ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ مَا فَعَلْتُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهِ عِنْدَهُ قُلْتُ لَا يُؤَيِّدُهُ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ مَا فَعَلْتُهُ لَا يُشْعِرُ بِاسْتِخْفَافٍ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا قَبِلْتُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَأَفْتَى الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ اصْبِرْ عَلَيَّ بِدَيْنِكَ فَقَالَ لَوْ جَاءَنِي رَبِّي مَا صَبَرْتُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْكُفْرِ وَكَأَنَّ مَادَّةَ هَذَا كَمَا ذُكِرَ عَنْ السُّبْكِيّ حِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ فِيمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِتَنْظِيفِ بَيْتِهِ فَقَالَ لَهُ نَظِّفْ بَيْتَنَا مِثْلَ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: ١]

ــ

[حاشية الشرواني]

إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ نَفَى إلَخْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ يُشَاهَدُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى كَوْنِ الْقَوْلِ يُشَاهَدُ اهـ رَشِيدِيٌّ (أَقُولُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُدْرَكُ بِحِسِّ السَّمْعِ بِخِلَافِ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْوِجْدَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّيَّةِ) هَلَّا زَادَ وَالْفِعْلُ أَيْ فَإِنَّ الْفِعْلَ، وَإِنْ كَانَ يُشَاهَدُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ أَغْلَبَ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ رَشِيدِيٌّ أَقُولُ وَيُغْنِي عَنْ زِيَادَتِهِ قَوْلُهُ: السَّابِقُ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ هَذَا) أَيْ مَزِيَّةُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْأَغْلَبِيَّةِ وَعَلَى النِّيَّةِ بِالْمُشَاهَدَةِ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ) أَيْ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالْعِنَادِ وَالِاعْتِقَادِ الْمُقَوِّمَةِ أَيْ الْمُحَصِّلَةِ اهـ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ إلَخْ) أَيْ وَقُدِّمَ الْقَوْلُ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ بِالِارْتِدَادِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ لَا أَفْعَلُهُ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً) أَيْ وَقَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ بِذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ مُغْنِي وَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنْ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي كَالنِّهَايَةِ مَا لَمْ يُرِدْ الْمُبَالَغَةَ إلَخْ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمِثَالَيْنِ وَيَنْدَفِعُ قَوْلُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ: كَأَنْ قِيلَ لَهُ قُصَّ إلَخْ صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ اسْتِهْزَاءٌ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِهْزَاءً فَلْيُرَاجَعْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَأَنْ قَالَ إلَخْ) وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَةَ» فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِأَدَبٍ أَوْ قَالَ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَوْ جَعَلَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ هُنَا لَمْ أُصَلِّ إلَيْهَا وَلَوْ اتَّخَذَ اللَّهُ فُلَانًا نَبِيًّا لَمْ أُصَدِّقْهُ أَوْ شَهِدَ عِنْدِي نَبِيٌّ بِكَذَا أَوْ مَلَكٌ لَمْ أَقْبَلْهُ أَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا أَوْ لَا أَدْرِي النَّبِيُّ إنْسِيٌّ أَوْ جِنِّيٌّ أَوْ قَالَ إنَّهُ جُنَّ أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ احْتِقَارًا أَوْ صَغَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي مَا الْإِيمَانُ احْتِقَارًا أَوْ قَالَ لِمَنْ حَوْقَلَ لَا حَوْلَ لَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ أَوْ لَوْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ مَعَ مَرَضِي هَذَا لَظَلَمَنِي أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَقَالَ الظَّالِمُ أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِهِ أَوْ سَمَّى اللَّهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ زِنًا اسْتِخْفَافًا بِاسْمِهِ تَعَالَى أَوْ قَالَ لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ وَقَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ كَذَّبَ الْمُؤَذِّنَ فِي أَذَانِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ تَكْذِبُ أَوْ قَالَ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ أَوْدَعْتُ اللَّهَ مَالِي أَوْدَعْتَهُ مَنْ لَا يَتَّبِعَ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ وَقَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ قَالَ تَوَفَّنِي إنْ شِئْتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ قَالَ أَخَذْتَ مَالِي وَوَلَدِي فَمَاذَا تَصْنَعُ أَيْضًا أَوْ مَاذَا بَقِيَ لَمْ تَفْعَلْهُ أَوْ أَعْطَى مَنْ أَسْلَمَ مَالًا فَقَالَ مُسْلِمٌ لَيْتَنِي كُنْتُ كَافِرًا فَأُسْلِمَ فَأُعْطَى مَالًا أَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ مَثَلًا الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانَهُمْ مُغْنِي وَأَسْنَى مَعَ شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُرِدْ الْمُبَالَغَةَ إلَخْ) أَيْ فَلَا كُفْرَ حِينَئِذٍ وَلَا حُرْمَةَ أَيْضًا اهـ ع ش

(قَوْلُهُ: عَنْ فِعْلِهِ) أَيْ وَقَبُولُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ) وَأَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّنْقِيصِ نِهَايَةٌ وَسَمِّ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُغْنِي مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا وَقَعَ) أَيْ عَدَمُ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي هَذَا مِنْ الْإِشْعَارِ إلَخْ) مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ الْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ أَعْظَمُ عَظِيمٍ اهـ سم (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِهْتَارِ) أَيْ الِاسْتِخْفَافِ اهـ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا قَالَهُ) أَيْ الْبَعْضُ (قَوْلُهُ: لَوْ جَاءَنِي إلَخْ) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَعْظِيمِهِ إلَخْ) أَيْ عَظَمَةِ جِبْرِيلَ أَوْ النَّبِيِّ (قَوْلُهُ: قُلْتُ لَا يُؤَيِّدُهُ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ) أَطَالَ سم فِي رَدِّهِ وَإِثْبَاتِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ) بِشَدِّ النُّونِ وَقَوْلُهُ مَادَّةَ هَذَا أَيْ أَصْلَ هَذَا الْإِفْتَاءِ وَمَأْخَذَهُ (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ الْآخَرُ لَهُ أَيْ لِلْآمِرِ (قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَلْزِمَانِهِ تَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ: وَكَانَ هَذَا هُوَ حِكْمَةَ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ حَاصِلُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ التَّبْعِيدُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ) وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْإِشْعَارِ إلَخْ) مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ الْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ فَطْمٌ عَظِيمٌ (قَوْلُهُ: لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ مَا فَعَلْتُهُ لَا يُشْعِرُ بِاسْتِخْفَافٍ أَصْلًا إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ مَا فَعَلْتُهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي تَبْعِيدِ نَفْسِهِ عَنْ الْفِعْلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ الْمَذْكُورَةَ إنْ أَرَادَ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ آمِرًا بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ طَالِبًا لَهُ مَا فَعَلْتُهُ إذْ لَوْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا غَيْرَ آمِرٍ بِهِ وَلَا طَالِبٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُبَالَغَةٌ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَوْ جَاءَنِي النَّبِيُّ مَا قَبِلْتُهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَوْ جَاءَنِي النَّبِيُّ أَيْ طَالِبًا لِهَذَا الْفِعْلِ مَا فَعَلْتُهُ فَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْفَرْقِ وَوَصْفِهِ بِالظُّهُورِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمِمَّا يُعِينُ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ جَاءَنِي النَّبِيُّ آمِرًا أَوْ طَالِبًا قَوْلُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهِ عِنْدَهُ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>