لِفَوَاتِ الْمَعْنَى السَّابِقِ الْحَامِلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْإِشَارَةُ لِلْخِلَافِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ الْأَحْسَنُ أَسْلَمَا لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ
(وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ وَبَاطِنِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ وَالزِّنْدِيقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ كَذَا ذَكَرَاهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَذَكَرَا فِي آخَرَ أَنَّهُ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ الْمُنَافِقُ وَقَدْ غَايَرُوا بَيْنَهُمَا، وَالْبَاطِنِيُّ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلْقُرْآنِ بَاطِنًا غَيْرُ ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مِنْهُ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ إشَارَاتُ الصُّوفِيَّةِ الَّتِي فِي تَفَاسِيرِهِمْ كَتَفْسِيرِ السُّلَمِيُّ وَالْقُشَيْرِيِّ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا مُرَادَةٌ مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ أَنَّ الشَّيْءَ يُتَذَكَّرُ بِذِكْرِ مَالَهُ بِهِ نَوْعُ مُشَابَهَةٍ، وَإِنْ بَعُدَتْ.
وَلَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَفِي النَّجَاةِ مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ كَمَا حَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ النَّاطِقِ فَلَا يَكْفِي مَا بِقَلْبِهِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَجَمْعٌ مُحَقِّقُونَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِلتَّلَفُّظِ بِهِمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعِلْمِهِ بِشَرْطِيَّتِهِ أَوْ شَطْرِيَّتِهِ لَا يَقْصُرُ عَنْ نَحْوِ رَمْيِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ وَلَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ وَالْفَرْقُ
ــ
[حاشية الشرواني]
وَلَمْ يَحْتَجْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَيْ فِي أَسْلَمَ وَتُرِكَ (قَوْلُهُ: لِفَوَاتِ الْمَعْنَى السَّابِقِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْإِشَارَةِ بِالْمُغَايَرَةِ إلَى الْخِلَافِ وَلَوْ ثَنَّى هُنَا أَيْضًا فَاتَتْ هَذِهِ الْإِشَارَةُ كَمَا لَا يَخْفَى فَمَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ مِمَّا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ وَإِنْ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ إنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ مُصَحَّحٌ لِلْعِبَارَةِ بِتَكَلُّفٍ لَا دَفْعٌ لِأَحْسَنِيَّةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ. اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِشَارَةُ لِلْخِلَافِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ قُتِلَا إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ وَفِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ إلَخْ تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلَى قَائِلِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: مَا قِيلَ إلَخْ) وَافَقَهُ الْمُغْنِي وَسَمِّ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ) إلَى قَوْلِهِ كَذَا ذَكَرَاهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالزِّنْدِيقُ) إلَى قَوْلِهِ أَوْ مَعَ الظَّاهِرِ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابَيْ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْفَرَائِضِ وَقَوْلُهُ فِي آخَرَ أَيْ فِي اللِّعَانِ مُغْنِي وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا) أَيْ مِنْ لَا يَنْتَسِبُ إلَى دِينٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الظَّاهِرِ إلَخْ) مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَالْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَصْرُ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَجْوِيزُ الثَّانِي لِلصُّوفِيَّةِ اهـ سَيِّدُ عُمَرُ أَقُولُ وَمِمَّنْ قَصَرَهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَاطِنِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا مُرَادَةٌ إلَخْ) إنْ أَرَادَ قَطْعًا فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ وُجُوهِ تَفْسِيرِ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَوْ مُطْلَقًا فَمَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ إلَخْ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّمٌ فِي بَعْضِهَا وَأَمَّا كَثِيرٌ مِنْهَا فَمِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ احْتِمَالًا ظَاهِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مُصْطَلَحِهِمْ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى اللَّفْظِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ اهـ سَيِّدُ عُمَرُ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ) إلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَا يَفْعَلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَفِي النَّجَاةِ إلَى مِنْ التَّلَفُّظِ وَقَوْلُهُ مِنْ النَّاطِقِ إلَى وَلَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَى بِتَرْتِيبِهِمَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُنْكِرُ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ أَوْ يُنْكِرُهَا لِغَيْرِهِمْ خَاصَّةً قَالَهُ ع ش وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَخْ وَلَعَلَّ هَذَا التَّعْمِيمَ، هُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) أَيْ وَلَوْ ضِمْنًا عَلَى مَا يَأْتِي وَيُسَنُّ امْتِحَانُ الْكَافِرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي الشَّهَادَتَيْنِ أَحْمَدُ وَأَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ كَفَاهُ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ بَدَلَ رَسُولِ اللَّهِ كَفَاهُ لَا الرَّسُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَرَسُولِ اللَّهِ فَلَوْ قَالَ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَفَى بِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَبِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَغَيْرُ وَسِوَى وَمَا عَدَا وَنَحْوُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ سِوَى اللَّهِ أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ أَوْ مَا خَلَا اللَّهَ وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ أَنَا مِنْكُمْ أَوْ مِثْلُكُمْ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ وَلِيُّ مُحَمَّدٍ أَوْ أُحِبُّهُ أَوْ أَسْلَمْتُ أَوْ آمَنْتُ لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَا مِنْكُمْ أَوْ مِثْلُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ فَإِنْ قَالَ آمَنْتُ أَوْ أَسْلَمْتُ أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ أَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ أَوْ اعْتَرَفَ مَنْ كَفَرَ بِإِنْكَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِوُجُوبِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا، وَهِيَ مَا عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ، وَهِيَ الرَّاجِحَةُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ وَالثَّانِيَةُ وَنَسَبَهَا الْإِمَامُ لِلْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِهِ وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ الَّذِي يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ لَيْسَ عِلَّةً وَمَنْ قَالَ آمَنْتُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْوَثَنَ وَكَذَا لَا إلَهَ إلَّا الْمَلِكُ أَوْ إلَّا الرَّزَّاقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ فَإِنْ قَالَ آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْلَ ذَلِكَ صَارَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ فَيَأْتِي بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا لَمْ يَصِرْ مُؤْمِنًا حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ وَكَفَرْتُ بِمَا كُنْتُ أَشْرَكْتُ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِ غَيْرِ اللَّهِ كَفَى لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَنْ يَقُولَ لَا قَدِيمَ إلَّا اللَّهُ كَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَكْفِيهِ أَيْضًا اللَّهُ رَبِّي مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَعِلْمِهِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّ سُكُوتَ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ لِجَهْلِهِ بِاعْتِبَارِهِ فِي الْإِيمَانِ شَطْرًا أَوْ شَرْطًا لَا يَضُرُّ فَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي الْبَاطِنِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ شَطْرًا أَوْ شَرْطًا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهْلُ فَتَأْثِيرُ الْجَهْلِ هُنَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَجَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ وَوُجُوبُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْقَادِرِ بِهِ وُجُوبٌ فِقْهِيٌّ يُوجِبُ تَرْكُهُ الْإِثْمَ لَا الْكُفْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي يَصِحُّ الْإِسْلَامُ بِسَائِرِ اللُّغَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَبِإِشَارَةِ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ إلَخْ) فِي انْدِفَاعِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إذْ لَا شُبْهَةَ فِي أَحْسَنِيَّةِ مَا ذُكِرَ وَأَمَّا التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَغَايَتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute