للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْمُسْكِرِ مِنْ عَصِيرِ غَيْرِ الْعِنَبِ لِلْخِلَافِ فِيهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ، أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ وَلَوْ قَطْرَةً؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ ضَرُورِيٌّ وَمَنْ قَالَ بِالتَّكْفِيرِ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ تَكْذِيبَ جَمِيعِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرْعِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّا لَمْ نُكَفِّرْهُ لِإِنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بَلْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّكْفِيرِ مِنْ كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا أَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَلَا جَوَابَ إلَّا مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْهُ.

(كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمِنْهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ مَائِعٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي النَّجَاسَاتِ (حَرُمَ قَلِيلُهُ) وَكَثِيرُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَصَحَّ خَبَرُ «أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» وَخَبَرُ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَخَبَرُ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِنَبَةِ وَالنَّخْلَةِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَفِي أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَتَأْوِيلِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِمَا يَنْبُو عَنْهُ ظَاهِرُهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (وَحُدَّ شَارِبُهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ أَيْ مُتَعَاطِيهِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشُّرْبِ وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ لِضَعْفِ أَدِلَّتِهِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْحُدُودِ بِمَذْهَبِ الْقَاضِي لَا الْمُتَدَاعِيَيْنِ

وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَنْ لَا يَسْكَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةِ لَا الْإِسْكَارِ فَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إسْكَارٌ فَمَعْنَى كَوْنِهِ عِلَّةً أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ

ــ

[حاشية الشرواني]

الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ اهـ سم (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْمُسْكِرِ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَ الْمُغْنِي كَمَا مَرَّ وَقَيَّدَهُ النِّهَايَةُ فَقَالَ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ قَدْرٍ لَا يُسْكِرُ إلَخْ وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ أَيْ: بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّ الْكَثِيرِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ اهـ.

(قَوْلُهُ أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ إلَخْ) كَانَ مُقْتَضَى مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ إلَخْ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْقَدْرِ الْمُسْكِرِ هَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفُرُ كَمَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ عِبَارَتِهِ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَالْخَمْرِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَكْفُرُ وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ بَلْ كَوْنُهُ كَبِيرَةً هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الزِّيَادِيِّ وَشُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا لِقِلَّتِهِ صَغِيرَةٌ اهـ وَقَضِيَّةُ صَنِيعِ الشَّارِحِ عَدَمُ الْكُفْرِ كَمَا مَرَّ وَصَنِيعُ الْمُغْنِي كَالصَّرِيحِ فِيهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ) أَيْ: فَيَكْفُرُ بِهِ وَقَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ عَلَى صِفَةٍ يَقُولُ بِحِلِّهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ اُعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَسْنَى وَالْمُغْنِي وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قَالَ وَكَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَأُوِّلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَقَ الْمُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ اهـ وَبِهَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّيِّدِ عُمَرَ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ تَكْذِيبَ إلَخْ) مَحَلُّ تَأَمُّلٍ إذْ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ حُرِّمَتْ لَيْسَ فِيهَا تَكْذِيبُ أَهْلِهِ بَلْ تَخْطِئَتُهُمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لَهُمْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَكْذِيبُ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ حَقَّ تَأَمُّلٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ) أَيْ: عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ: تَحْرِيمِ مَا اسْتَحَلَّهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ إلَّا مَا مَرَّ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ. .

(قَوْلُهُ مِنْ خَمْرٍ) إلَى قَوْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ) أَيْ الْفَرَسِ فِي أَوَّلِ نِتَاجِهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَكَثِيرُهُ) إلَى قَوْلِهِ كَتَأْوِيلٍ فِي الْمُغْنِي إلَّا الْحَدِيثَ الرَّابِعَ (قَوْلُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» إلَخْ) هَذَا قِيَاسٌ مَنْطِقِيٌّ إذَا حَذَفَ مِنْهُ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ وَهُوَ الْمُكَرَّرُ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ الْوَاقِعُ مَحْمُولًا لِلصُّغْرَى وَمَوْضُوعًا لِلْكُبْرَى أَنْتَجَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي أَحَادِيثَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَنَدَ بِأَحَادِيثَ مَعْلُولَةٍ بَيْنَ الْحُفَّاظِ وَأَيْضًا أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ مُتَأَخِّرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ) إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ لِمَا يَأْتِي إلَى وَإِنْ اعْتَقَدَ وَإِلَى قَوْلِهِ وَمِمَّا تَتَأَكَّدُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ لِمَا يَأْتِي إلَى وَإِنْ اعْتَقَدَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَتْ إلَى بَلْ التَّعْزِيرُ وَقَوْلُهُ وَحُدُوثُهَا إلَى وَلَا حَدَّ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ) أَيْ: حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرُمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقَيْس بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ لَمْ يَسْكُرْ) بِبِنَاءِ الْفَاعِلِ مِنْ السُّكْرِ (قَوْلُهُ أَيْ: مُتَعَاطِيهِ) تَفْسِيرٌ لِشَارِبِهِ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْمُرَادُ بِالشَّارِبِ الْمُتَعَاطِي شُرْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَسَوَاءٌ جَامِدُهُ وَمَائِعُهُ مَطْبُوخُهُ وَنِيئُهُ وَسَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَمْ إبَاحَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ.

(قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ: بِقَوْلِهِ الْآتِي آنِفًا بِخِلَافِ جَامِدِ الْخَمْرِ وَبِقَوْلِهِ الْآتِي فِي شَرْحٍ وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ إلَخْ وَكَذَا بِثَخِينِهَا إذَا أَكَلَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ لَا يُسْكِرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ حَرُمَ شُرْبُهُ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْإِسْكَارِ وَيُحَدُّ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ حَسْمًا لِلْبَابِ اهـ.

(قَوْلُهُ عَجِيبٌ إلَخْ) قَدْ يَقُولُ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ) قَدْ يُشْكِلُ بِعَدَمِ حَدِّ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ الْآتِي بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا مَعْذُورٌ بِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ تَقْلِيدًا لِمَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَمَا أَنَّ ذَاكَ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ وَضَعْفِ أَدِلَّةِ هَذَا لَا يَقْصُرُ عَنْ انْتِفَاءِ أَدِلَّةِ ذَاكَ رَأْسًا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْجَاهِلَ غَافِلٌ عَنْ الْمُعَارِضِ لِاعْتِقَادِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتِهِ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَصُورَةِ الْمُعَانَدَةِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَنْ لَا يَسْكَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةِ لَا الْإِسْكَارُ فَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ إلَخْ) قَدْ يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ الْإِسْكَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>